في اللحظات التي تكشف فيها الجغرافيا معدنها الحقيقي، تعود حضرموت لتظهر كما عهدناها، أرض وعيٍ لا ساحة فوضى. وما يجري اليوم في الوادي ليس خلافًا قبليًا ولا نزاعًا على منشأة، بل اختبار مباشر لفكرة الدولة في الجنوب ولسلطة حضرموت على قرارها.
إعلان اللواء فرج سالمين البحسني بأن ما حدث “تمرد قبلي” يجب التعامل معه قانونيًا وضع العنوان الأوضح للمشهد: عودة الدولة من بوابة حضرموت. فحين نكتب عن حضرموت نكتب عن ذاكرة صنعت نصف تاريخ الحركة الوطنية الجنوبية، وعن الجذور التي بدأت في سيئون مطلع القرن العشرين على يد عمر سالم باعباد، صاحب أول مشروع دستوري لدولة حديثة في جنوب الجزيرة.
ثم جاء جيل الرابطة، شيخان الحبشي ومحمد علي الجفري، ووضعوا الإطار الأوسع لفكرة الجنوب الواحد. وبعدهم جيل الرفاق بقيادة علي سالم البيض الذي أنجز استقلال 1967 بدعم ناصري، لكنه أدخل الصراع الأيديولوجي على مشروع وطني كان قد بدأ قبل عقود.
اليوم تعود حضرموت لتحدد ملامح الجمهورية الجنوبية الثانية. وما يحدث في الوادي ليس سوى صراع بين منطق الدولة ومنطق الفوضى. خروج عمرو بن حبريش على سلطة الدولة ومحاولة السيطرة على بترومسيلة وقطع الكهرباء والوقود ليس شأنًا قبليًا، بل محاولة فرض سلطة موازية لا يمكن السماح بها في حضرموت.
وهنا يبرز دور اللواء فرج البحسني، صاحب تجربة دحر القاعدة في 2016، والقادر بإرادة الدولة ودعم الحضارم على إنهاء أي تمرد. فثمة قوى تحاول اختراق حضرموت عبر أدوات قبلية وحزبية، وبعضها مرتبط بالإخوان أو يترقبها الحوثيون.
لكن حضرموت ليست ساحة فوضى، بل مجتمع دولة عريق لا يشبه بيئات الصراع حوله. والفصل الحالي من تاريخ الجنوب يُكتب الآن في الوادي: إما انتصار الدولة ودفن التمرد، أو فتح الباب للفوضى.
ولأن المستقبل لا يُكتب بالتمردات، فإن موقف البحسني هو الصحيح: القانون فوق الجميع، وحضرموت ليست رهينة لأحد. وفي اللحظة التي تنتصر فيها حضرموت للدولة، تبدأ الجمهورية الجنوبية الثانية بالفعل.