تصاعدت تحليلات نقدية حول تحرك المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، متهمةً إياه بالخروج عن "الإيقاع الأمني الخليجي" وخسارة موقعه الإقليمي. لكن هل ضوابط الإيقاع غير المعلنة حقيقية أم افتراضية؟ وهل يعكس التحرك طموحًا ميدانيًا أم استراتيجية مدروسة لحماية الجنوب وتعزيز موقفه التفاوضي؟
هذا الإيقاع يتكرر بنفس هدوئه، فما فائدة الانتظار؟ لابد من تحريك المياه الراكدة، فعربيًا كل دولة منشغلة بمشاكلها، وخليجيًا يتم التعامل مع الوقائع على الأرض. فالمبادرة الخليجية جاءت بعد احتجاجات صنعاء، ونصت على مغادرة الرئيس صالح للسلطة، وتم إجراء انتخابات جاءت بـ "هادي"، وجاءت وقائع أدت إلى تشكيل الرئاسي في مشاورات الرياض بمشاركة دول مجلس التعاون.
التوقيت في جزء منه رسالة قوية قبل قمة المنامة لتعزيز موقف الجنوب في مفاوضات أي ترتيبات ما بعد القمة. فالتحركات العسكرية في مناطق مضطربة ليست استثناءً، وقد تُفسر كخطوة استباقية لحماية المصالح المحلية.
المقارنة بالسودان غير دقيقة، فـ "حميدتي" في صراع داخلي مسلح، بينما الزبيدي يقود مشروعًا سياسيًا-عسكريًا معترفًا به كأمر واقع (الانتقالي الجنوبي)، وهو ما جعله جزءًا من الشرعية. والتحرك الأخير جزء من تأمين المنطقة ضد التمدد الحوثي أو التمدد الإرهابي، خاصة مع وضع الإخوان والحوثي في قائمة الإرهاب، والإقليم يتحرك وفق مصالحه، والانتقالي يعزز موقفه التفاوضي.
الانتقالي يحظى بدعم شعبي واسع في كل الجنوب، والتفاعل مع التحالفات الإقليمية لا يعني بالضرورة "الخضوع" الكامل لإيقاعها، بل قد يكون توظيفًا لموازين القوى المحلية لدفع الأجندة الجنوبية.
مهما كان استقراء الأحداث التي جرت، فالانتقالي خرج لاعبًا رئيسيًا. فالتحرك الأخير خطوة مدروسة لتعزيز الأمن وتأكيد مشروع الجنوب، وليس "خطأ بنيويًا" كما يفترضه البعض. فالانتصار جزء من صراع معقد يتطلب موازنة بين الميدان والإقليم، وأي تحركات دبلوماسية هي في سياق جهود سياسية لتهدئة الوضع في حضرموت وغيرها، لكنها لن تمس ما فُرِض على الواقع. لذلك، في ظل هذه المعطيات، يبدو تحرك الانتقالي خطوة استراتيجية لحماية الجنوب، تضع الإقليم أمام واقع جديد.
6 ديسمبر 2025م