لم يكن ذلك الخميس كالأيام العادية على إحدى قرى منطقة وادي السحول بمحافظة إب، على الأقل لدى أطفال القرية الذين انتشروا بين الحقول القاحلة للهو واللعب استغلالاً لإجازة نصف العام الدراسي الحالي.
وفي ذلك الوقت كانت أغاني الفرح تصدح ونساء إحدى قرى وادي السحول في محافظة إب اليمنية، يرددن أغاني الزفاف، وطفلات صغيرات يلعبن أمام الدار فسألت إحداهن الأخريات زواج من يا بنات هذا؟ فانبرت واحدة قائلة، الفرح في دار أبوافتخار، وافتخار تلعب معهن ولا تعلم شيئاً عن المراسم في بيت أهلها، ولا حتى لمن نساء القرية يعددن العدة ليوم فرح كبير.
ومنزل عائلة افتخار استكمل استعداداته لليلة الزفاف، ولم يخطر ببال أي أحد من سكان القرية أن أمراً غير عادي سيحدث ويفسد هذه الفرحة، وحدها افتخار كانت تمارس براءة طفولتها مع قريناتها ولا تعلم شيئاً عن المراسم في بيت أهلها. لأنها لا تدرك معنى الزواج ولا المصير الذي ستؤول إليه.
النساء داخل البيت لم ينشغلن بتحضيرات الفرح، بل كن يتساءلن عن حجم الأموال التي ستحصل عليها الأسرة من ذلك العريس الثري، والمستوى المعيشي الذي ستعيشه العروسة.
وقالت إحداهن: حرام العريس عمره يقارب الخمسين لكنه يمتلك الكثير من المال، إذ إنه أحد المغتربين في الخارج، واندهشت أخرى لتطرح سؤالاً: «ما يجوز، افتخار عمرها ثماني سنوات وتلميذة بالصف الثالث الابتدائي والرجل في عمر أبيها؟».
فضحكت أخرى وقالت التعليم ما يفتح بيت يا أختي، لكن البنت تشوف سعدها، وعلقت ثالثة ما تدرون العريس وقف أمام الفلاح عادل عبده أحمد، والد البنت يتحدث عن أمواله وما سيدفعه مهراً، وعن الكثير مما يسيل له اللعاب، وكانت الموافقة الفورية دون تردد.
وفشلت كل محاولات أقارب الطفلة في منع الزيجة.
هروب الأب
ولكن مشيئة الله أرادت أن تنقذ الطفلة من مخالب رجل مسن، حيث لعبت المصادفة دورها، فقرب قريتها من المدينة، جعل أحد الصحافيين يعلم بقصة زواج القاصر، فسارع إلى نشر خبر صغير عنها، فكان ذلك بمثابة طوق نجاة للصغيرة، وضماناً لعودتها إلى مدرستها، حيث قام ناشطون حقوقيون بمتابعة القصة، وناشدوا السلطات التدخل.
فآتت محاولاتهم أكلها، حيث تحركت قوات الأمن فألقت القبض على والد الطفلة وأوقفت مراسم تزويجها. وكان أعضاء مؤتمر الحوار الوطني قد أقروا نصاً يمنع زواج القاصرات خاصة الصغيرات دون سن العاشرة، ويفرض عقوبة الحبس على من يقدم على ذلك بعد شيوع الظاهرة.
افتخار كغيرها من البنات في اليمن لم يعرفن معنى اللعب والترفيه أي لم يعشن طفولتهن، إلا أنها محظوظة لالتحاقها بمدرسة القرية. والدها كان يتمنى أن تتعامل كواحدة من النساء اللاتي تجاوزن سن الطفولة والمراهقة.
والغريب أنها لم تكن تدرك إلى أين ستذهب؟ ولا ماذا ينتظرها؟ ولم تكن تعلم بخبر وفاة طفلة تكبرها بأربع سنوات في محافظة الحديدة نتيجة تهتك رحمها عندما دخل بها رجل خمسيني. وكثيرات غيرها في الأرياف والمناطق النائية لا يحصلن على تدخل نادر يساعد على إبطال مراسم زواجهن، حتى يعدن إلى مدارسهن ويستكملن مشوار طفولتهن.
إحباط العملية
يقول الناشط بلال جبران أحد الذين تابعوا القضية وشاركوا في إحباط عملية الزواج: «أبلغت ومعي عدد من الزملاء الشرطة، بالحادثة، ولم يتجاوب قسم الشرطة مع الأمر إلا عندما هددناه بنشر خبر تقاعسهم في الصحف، وهو ما أجبرهم على إرسال حملة أمنية إلى القرية».
وحين وصلنا إلى منزل الطفلة، ارتبكت والدتها، وأوصدت الباب أمامنا نحن ورجال الشرطة، وتوقف صوت أغاني الفرح، وبعد أن هددها رجال الشرطة باقتحام المنزل بالقوة، فتحت الباب وعند دخولنا المنزل اكتشفنا أن الأب لم يكن موجوداً، وعلمنا أنه فر بعد أن أخبره أحد رجال القرية أن حملة أمنية قادمة إليه.
تهديد
والدة الطفلة قالت إن زوجها هددها بالطلاق والطرد من المنزل إذا رفضت تزويج ابنتها التي لم تستوعب ماذا حصل في الأصل. وعقب ذلك قامت الشرطة بنقل الطفلة إلى منزل خالها ليتولى رعايتها.
وقد ساعد وفد حركة النشطاء الشرطة في إلقاء القبض على والد الطفلة الذي اختفى في منطقة قريبة من قريته، ليتم احتجازه في مقر أمن المحافظة. والمشكلة التي تواجهها السلطات المحلية، أن القانون اليمني لا يفرض أي عقوبة على من يقدم على تزويج الطفلات القاصرات، وحدد سن بلوغ الفتيات بخمسة عشر عاماً.
* البيان