الجنوب .. لغم الإنتماء المناطقي

2013-04-02 07:04
الجنوب .. لغم الإنتماء المناطقي
شبوة برس- خاص عدن

حقل ألغام خطير لا يمر فيه القادة الجنوبيين إلا نادراً, وحتى عند مرورهم فيه يقفزرون عليه قفزاً ويتركون ألغامه كما هي. هذا الحقل الملغوم هو طبيعة الدولة (الكيان) الجنوبي القادم. نسمع على إستحياء أن هناك نوايا لجلعه كيان إتحادي فيدرالي دون معرفة التصور العملي لهذا الوضع الإتحادي.

هل سيكون قائماً على كيانات جنوب ما قبل 1967, أو كيانات جنوب 1990, أو كيانات

 

جنوب ما بعد الإجتياح الشمالي.

 

حدتث في الجنوب صراعات مسلحة وغير مسلحة منذ ما قبل 1967 وحتى 1994, وعلى الرغم من وجود الطابع السياسي لهذه الصراعات إلا أن النفس المناطقي كان موجود فيها بوضوح. صنفت شبوة وأبين في جهة واحدة أكثر مرة, صنفت الضالع ويافع في جهة أخرى أكثر من مرة, عدن وحضرموت نالتا ما نالتا من فكر القوالب لفترات طويلة. دولة ما بعد 1967 قامت

 

بقمع هذا النفس ولم تعترف به.

 

جذور كيانات جنوب ما قبل 1967 من سلطنات ومشيخات إلى جانب عدن أطول وأعمق وأكثر وضوحاً من الدولة الجنوبية المركزية التي لم تدم إلا لعقدين ونصف تقريباً. برزت خلالها النزعات المناطقية دماً ورصاصاً في كل صراع من الصراعات. نتذكر كلنا قيام النظام المركزي في الجنوب بتغيير أسماء المحافظات الست التي حلت محل كيانات الجنوب إلى أرقام, من المحافظة الأولى إلى المحافظة السادسة.

 

أعتقد أن عدن هي أخطر هذه الألغام, عدن ما زالت تتنازعها الهويات والتهم, فأبناءها لا يتم الإعتراف بهويتهم المناطقية إلا عندما يكون توجههم مع توجه أصحاب السقف المرتفع في الحراك الجنوبي, فهم حينها عدنيين جنوبيين, وإذا ما فكروا بأخذ إتجاه مختلف ولو قليلاً يتم إتهامهم على الفور بأنهم لا أصل جنوبي لهم, وأنهم مجرد خليط من شماليين مستوطنيين وهنود وصومال يجب ترحيلهم إلى أوطانهم الأصلية.

 

يطرحون على أبناء عدن السؤال التقليدي المستهلك, من هو العدني يا هؤلاء؟ إعتقاداً منهم أن هذا السؤال يحرج العدني ويهز هويته. حسناً, نطرح على أصحاب الصوت المتشنج منذ ما قبل 1967 حتى اليوم نفس السؤال, نسألهم هم , من هو العدني؟ قولوا لنا أنتم؟ هل هو المقيم فيها قبل ولادة دولة الجنوب في 1967؟ هلى ترضون بهذه الهوية؟ وأن كل من طرأ عليها بعد 1967 ليس عدني؟ هو ومن جاء من صلبه؟

 

حددوا تاريخ الدولة الجنوبية أولاً في خطابكم, ثم نتكلم عن الهوية العدنية والمناطقية. عدن أرض, مساحة جغرافية, سكنها بشر, دخلت كما دخلت كل المساحة الجغرافية للمحميات الشرقية والغربية في الدولة الجنوبية عام 1967, فهل تريدونها أرضاً بلا شعب, أرضاً فقط بدون اللذين كانوا عليها في 30 نوفمبر 1967؟ أليس هذا ما يقوم به متطرفي الشمال, أخذ الجنوب أرضاً فقط مع إنكار من كانوا عليه في مايو 1990؟

 

نعم في عدن بشر من أصول شمالية, وهندية, وصومالية, وفيتنامية حتى, وجدوا فيها هم وأجدادهم قبل أن يتواجد فيها بعض أبناء (الدول) الجنوبية الأخرى. فلمن عدن في هذه الحالة؟ للقديم أم للجديد؟ أو لمن هم عليها يوم ما أصبحت عاصمة جمهورية 1967؟ إذا ما قرر هؤلاء أنهم لا يريدون إنفصالاً فورياً كاملاً عن الشمال أو إذا قرروا أن يصبحوا كياناً داخل الدولة الجنوبية القادمة؟ فهل نقتلهم أو ننفيهم؟ أو نلغيهم؟

 

حضرموت أيضاً لغم كبير, مضاد للدبابات, مدفون في عمق أكبر من باقي الألغام, عمق يمتد لمئآت السنين وأكثر, كما أن لدى حضرموت ألغامها الداخلية أيضاً, والتي لا تقل خطورة. لدى حضرموت تاريخ مستقل, وبترول ورجال أعمال وأرض وأشياء أخرى تحفز من أحلام دولة الرفاهية الإقتصادية. يقوي هذه الأحلام مظالم كبيرة ومؤلمة حصلت في حضرموت منذ 1967, مظالم برائحة البترول والدم والأرض والهوية.

 

نجح الشمال في إجراء حوار حول قضاياه المركزية, ورغم أن الحوار ما زال يتخبط إلا أنه قد بدأ وحصل على دعم دولي وإقليمي. فشل الجنوب في إجراء حوار جنوبي جنوبي يتناول ولو حتى العناوين الرئيسية لقضاياه, ماذا نريد ومتى وكيف؟. حوار يطمئن الجميع, يقول للجميع لن تعود دولة 1967, لن نعيد أحداث 1986 أخرى, لن نلغي بعضنا البعض إجتماعياً وسياسياً بل وحتى جسدياً. حوار يقول للعدني وللحضرمي أن هويته ليست جريمة يحاسب عليها القانون.

 

* عدن برس - ناصر قحطان

[email protected]