وسبق أن شاركت الإمارات والسعودية في تمويل القوة الأفريقية التي شكلتها فرنسا من دول الساحل لمواجهة أنشطة الجماعات المتشددة. وكل هذه العناصر تؤكد وجود بنية قوية لتحالف مستقبلي قادر على تأمين مصالح مختلف الأطراف.
وقد يعطي تحالف الضرورة الناشئ بين بلدان عربية ودول أوروبية متوسطية إشارات مشجعة لدول أخرى تشعر بالقلق من التمدد التركي إلى اللحاق به، مثل إسرائيل التي لا تخفي انزعاجها من مآلات التطورات في ليبيا ودخول تركيا وروسيا في سباق النفوذ في المتوسط وخروج التهديدات من مجرد التلويح إلى السباق على تركيز قواعد ثابتة لأنقرة وموسكو واللتين تستفيدان من غياب الفاعلية في نشاط المراقبة الأوروبية بدءا من مهمة صوفيا (2015) إلى عملية إيريني (2020).
وحذر معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، من أنه “نظرا لعلاقات إسرائيل المتوترة مع تركيا، ولحساسية علاقاتها بروسيا كذلك، فإنها ستكون بحاجة إلى التحرك، لاسيما في ظل إحجام واشنطن المستمر عن القيام بدور دبلوماسي أو عسكري في المنطقة”.
وقال الباحث في الشأن الليبي ولفرام لاتشر “الآن بعد أن أصبحت العواقب الوخيمة للتقاعس الأوروبي واضحة ولم يعد أمام المشير خليفة حفتر فرصة للاستيلاء على السلطة فإن التحول في السياسة الأوروبية أمر حتمي لا مفر منه. يجب أن يوجه هدفان رئيسيان السياسات الأوروبية: أولاً حماية وحدة ليبيا؛ وثانياً مواجهة النفوذ الروسي في ليبيا كمسألة ذات أولوية. وتشترك الولايات المتحدة في كلا الهدفين”.
ولإنجاح هذا الخيار يلفت لاتشر إلى أن الأوروبيين لن يكونوا قادرين على التصرف إلا إذا “ابتعد الموقف الفرنسي عن تسامحه تجاه روسيا وموقفه العدائي تجاه تركيا”، محذرا أن “مواجهة روسيا لن تساعد في إحباط التهديد الذي تشكله موسكو فحسب، بل ستمنع أيضا تركيا وروسيا من تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ”.
وخلص لاتشر إلى أنه “يجب على الدول الغربية في النهاية أن تدفع مصالحها نحو استقرار ليبيا بقوة أكبر عند التدخل مع مؤيدي حفتر الأجانب الآخرين، خاصة مصر والإمارات، لثنيهم عن عقد مزيد من التعاون مع روسيا”.
ويشير مراقبون إلى تنمية الدول العربية لعلاقاتها مع روسيا كان رد فعل طبيعيا على مواقف الولايات المتحدة وأوروبا خلال السنوات الأخيرة سواء ما تعلق بالعلاقة مع إيران، وهي علاقة لم تكن تراعي الأمن القومي العربي، أو في دعم “الربيع العربي” الذي أثبتت نتائجه صواب التوقعات العربية حيث انتقل من شعار الديمقراطية إلى الفوضى وفتح أبواب المنطقة أمام الإرهاب بعد أن سيطرت عليه جماعة إسلامية متشددة.
ويعتبر عزم الإمارات، المدعوم من السعودية، على إحباط تركيا هو جزء من حملتها العالمية الحازمة لمواجهة جماعات الإسلام السياسي والدول الداعمة لها مثل تركيا وقطر. وما لا يدركه الأوروبيون بعدُ أن ما يجري من فوضى في ليبيا ناتج عن أنشطة تلك الجماعات وسعيها للسيطرة على الدول التي شهدت احتجاجات في 2011، في وقت كانت فيه دول غربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تعطي الضوء الأخضر لتلك الجماعات كي تستمر في “لعبة الربيع” الذي حّول واقع دول الاحتجاجات إلى خريف.
وتتلقى الإمارات دعما سياسيا من مصر التي وصل رئيسها، عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في ثورة شعبية أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت ما تزال تعاني من مخلّفات تلك الحقبة أمنيا واقتصاديا، ما يدفعه إلى مواقف أكثر راديكالية تجاه فوضى الإسلاميين في ليبيا خوفا من تغذية الأنشطة الإرهابية على أراضيها.
ويقول جيمس دورسي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط، إن المشاركة التركية في الحروب في ليبيا وسوريا قد غذّت الجهود الإماراتية من أجل جلب أوروبا والولايات المتحدة إلى صفها في الصراع مع تركيا ومن ورائها جماعات الإسلام السياسي.
مخطط تركي يهدد أمن دول المتوسط
مخطط تركي يهدد أمن دول المتوسط
ويشير دورسي في مقال إلى أن الإمارات تراهن على توتر علاقات تركيا مع حلفائها في الناتو، أوروبا والولايات المتحدة، بسبب مجموعة من القضايا، بما في ذلك التدخل العسكري التركي في ليبيا، ومصير الملايين من اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم تركيا، وعلاقة أنقرة بموسكو وشرائها لنظام الدفاع الروسي المضاد للصواريخ “إس – 400”.
وراهنت الإمارات على سرعة انطلاق خط أنابيب “إيست ميد” المخطط له والذي كان من شأنه أن ينقل الغاز الطبيعي من الحقول الإسرائيلية والقبرصية واللبنانية عبر اليونان إلى إيطاليا، وهو الخط الذي يهدّد باستبدال ما يصل إلى نصف صادرات الغاز القطرية إلى أوروبا بالغاز الواعد من شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتم تأجيل مشروع خط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته 7 مليار دولار، والذي يبلغ طوله 2200 كيلومتر، بسبب التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا وانهيار أسعار الطاقة.
ويقول المراقبون إن التحرك الإماراتي المدعوم عربيا لإعاقة تمركز تركي دائما في ليبيا وجنوب المتوسط يمثل فرصة ذهبية للأوروبيين كي يقطع مع استراتيجية الانتظار التي ورثوها منذ الحرب الباردة وتوقع أن تحلّ الولايات المتحدة مشاكلهم.
وكان يمكن أن يوفر الملف الليبي فرصة للأوروبيين ليتحركوا بأكثر فاعلية وبشكل موحد، على الأقل دول المتوسط، ذلك أن الوجود التركي الروسي في حدودهم الجنوبية يعرض أمنهم القومي للتهديد بشكل مباشر سواء أكان الأمر يتعلق بالإرهاب أو تهريب الأسلحة أو الاتجار بالبشر.
وقال الميجر كارل ويستر، المتحدث باسم القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إن انفراد روسيا وتركيا في ليبيا أغنى دولة في أفريقيا وموطن عاشر أكبر احتياطي نفطي في العالم، ستكون له عواقب بعيدة المدى على الولايات المتحدة وأوروبا.
وأضاف “من المحتمل أنه عندما يتلاشى الدخان في ليبيا، يكون لروسيا قاعدة للوصول إلى الجناح الجنوبي لأوروبا، وأنظمة الصواريخ بعيدة المدى أيضًا”. وأضاف أنه على مدى السنوات السبع الماضية باعت روسيا ما قيمته تسعة مليارات دولار من الأسلحة لشركائها الأفارقة ما يجعلها أكبر تجّار الأسلحة للقارة.