سوريا بين تركيا الكبرى واسرائيل الكبرى

2025-05-11 22:01

 

      تزامناً مع لقاءات سورية ـ اسرائيلية , لقاءات تركية ـ اسرائيلية في اذربيجان . منذ البداية كان واضحاً أن رجب طيب اردوغان يراهن على عقد صفقة متعددة الأبعاد مع بنيامين نتنياهو حول سوريا . نوع من الكوندومينيوم (الحكم الثنائي) , على أن يكون الشمال تركياً والجنوب اسرائيلياً , دون أن تتوقف اللوثة التاريخية لأنقرة عند سوريا , ودون أن تتوقف اللوثة الايديولوجية لتل أبيب عند سوريا . مقابل اسرائيل الكبرى تركيا الكبرى . ما رأي أميركا وروسيا في ذلك ؟

  لا مشكلة لدى أحمد الشرع في عقد معاهدة سلام مع بنيامين نتنياهو . منذ أن عرفناه في تنظيم الدولة الاسلامية ألى "جبهة النصرة" التي تحولت الى "هيئة تحرير الشام" لم نلاحظ أنه تفوه بكلمة , برصاصة , ضد الدولة العبرية . ذاك النوع من الاسلام السياسي المصاب بالعمى الاستراتيجي والعمى الايدولوجي لا  قضية لديه سوى القتل , وبالطريقة التوراتية . الرئيس السوري الذي تتواجد الدبابات الاسرائيلية على مدخل قصره , قال بالحرف الواحد ألا عداء بينه وبين اسرائيل .

  هكذا تبنى دولة الاسلام , بأنياب الذئاب . القرآن الذي يقدم الاسلام , كدين الهي , وكوني , لم يتحدث عن نظام اسلامي . هذه بدعة يبدو أن الفقهاء أخذوها عن الحاخامات , لنعيد ونذكّر بأن محمد علي جناح , مؤسس باكستان , أوكل الى المفكر النمساوي ليوبولد وايس , الذي اعتنق الاسلام , وضع دستور لنظام اسلامي . بعد عامين من البحث والتأمل , لاحظ ألا وجود لمثل ذلك النظام في القرآن .

 المشهد أكثر تعقيداً بكثير من أن يتلقفه اردوغان أو نتنياهو . الشرق الأوسط أمام تحولات قد تبدأ خلال زيارة دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية , الثلاثاء المقبل . تشابك في الرهانات وفي التوقعات . قناة "فوكس نيوز" قالت ان الرئيس الأميركي لا يذهب الى المنطقة بسلة فارغة . يريد اعادة ترتيب المشهد لا بحسب الرؤية التركية , ولا بحسب الرؤية الاسرائيلية . بحسب الرؤية الأميركية (الترامبية تحديداً) . من الاسئلة الحساسة ... هل يعلن من الرياض قبوله باقامة الدولة الفلسطينية اذا كان يريد لرأس نتنياهو أن يتدحرج بين قدميه ؟

  للمرة الأولى يجول رئيس أميركي في المنطقة دون أن تكون محطته المركزية اسرائيل , بعدما لاحظنا حال الجفاء بينه وبين زعيم الليكود , وقد بدا جليّاً أنه لا يعرف من هو دونالد ترامب الذي لا يرى في العالم غير دونالد ترامب , كيف له أن يرى في الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو ؟ شيء ما حول غزة بعدما أثبتت الأحداث أن هذا الأخير لا يخوض الحرب فقط  كأي قائد احمق لا يمتلك أي رؤية حول اليوم التالي . يخوضها فقط للبقاء في السلطة . توماس فريدمان الذي يرصد , بدقة , أجواء البيت الأبيض , وجه مقاله , في "النيويورك تايمز" , الى الرئيس الأميركي بهذا العنوان "نتنياهو ليس حليفاً لنا بل يهدد مصالحنا . مواقع التواصل اشتعلت "اغتيال نتنياهو" !

  خطة رئيس الحكومة الاسرائيلية كي لا يخرج من الحرب جثة هامدة . تفريغ غزة من سكانها . تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية اشار الى أن رعاية أميركية لتلك الخطة تعني "حدوث انفجار في معسكر الحلفاء" , ووضع المصالح الأميركية , بما فيها المصالح الاستراتيجية , في مهب الحرائق .

  كيف لنتنياهو أن يلعب خارج المربع الأميركي ؟ ناحوم بارنياع قال له "هل تعلم أن دونالد ترامب هو الآن رجل البيت الأبيض لا جو بايدن ؟" .  ما يستشف من التعليقات الاسرائيلية , وفي ضوء الاتفاق الذي عقد مع الحوثيين , أن قائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا لم يعد على تواصل دوري مع هيئة الأركان في اسرائيل . لكن ما يلفتنا كلام حنين غدار , الباحثة اللبنانية في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" , وهو المعهد التابع لـ"لجنة العلاقات الأميركية ـ الاسرائيلية" , أي اللوبي اليهودي (ايباك) , الى احدى الشاشات اللبنانية , بـأن الاتفاق آني وينتهي بانتهاء جولة ترامب في المنطقة . 

 اتصلنا ببعض المصادر الخليجية لاستيضاحها ما اذا كان صحيحاً الكلام عن أن الرئيس الأميركي سيعلن , خلال جولته , اتجاه دمشق وأورشليم الى التطبيع . الاجابة كان أن اردوغان يلعب الآن , بكثافة , في الظلام , وحول هذه المسألة بالذات , بعدما سجلت محادثات هامة بين السوريين والاسرائيليين , لتشير الى أن مسألة تطبيع العلاقات السورية ـ الاسرائيلية أكثر تعقيداً من أن تصل الى نتيجة بهذه السرعة .

  هنا لا بد من التوقف عند الكلام الذي أطلقه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون , خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السوري أحمد الشرع "ان فرنسا تلعب دوراً اساسياً في التعاون , وهذا التعاون سيؤدي الى تصعيد المواجهة مع "حزب الله" , وسنستمر في ضمان الاستقرار في سوريا ولبنان" . 

الرئيس الفرنسي ـ ايها السادة ـ يتعاون مع الشرع لتصعيد المواجهة ضد الحزب , ومن أجل الاستقرار في لبنان . هل يمكن أن يتفوه بهذا الكلام رئيس يعرف كيف يذبح الآلاف في سوريا , فقط بسبب انتمائهم الطائفي , كما يعرف كيف يهاجر المسيحيون من سوريا بعد العراق , وغداً من لبنان ؟

  حقاً , لا يمكن أن نتصور ذلك من رئيس بلد أنتج فولتير , وروسو , ومونتسكيو , ومالرو ؟ ذروة الزبائنية السياسية , والاستراتيجية . لكنه البحث عن مدخل الى الشرق الأوسط , ولو عبر كهوف تورا بورا , ودون أن يقرأ ما كتب , وباللغة الأميركية , فوق بوابة المنطقة : "ملك خاص ..." !!