*- شبوة برس - وضاح قحطان الحريري
في زمن تتبدل فيه قواعد الصراع وتتشابك فيه المصالح بين العدو والصديق، تبدو المواجهة بين إيران وإسرائيل كأنها مشهد من مسرحية أُعدّت سلفًا، تُدار بخيوط خفية تخدم مشروعًا أوسع من مجرد تبادل الضربات.
فما نشهده اليوم ليس حربًا تقليدية، بل إدارة مُحكمة لصراع إقليمي معقّد، يُدفع ثمنه من جيب الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب اليمني، الذي يُستخدم كورقة على رقعة الشطرنج الدولية.
اللعبة من فوق الطاولة وتحتها
الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، ظاهريًا، توحي بصراع مفتوح، لكنها فعليًا تصفية حسابات داخلية ضمن صفقة إقليمية خفية، تُرسِّخ واقعًا جديدًا عنوانه:
"إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم أمن إسرائيل ومصالح الغرب".
إيران تلعب دور الخصم الظاهر والصديق الخفي؛ تمدّدت في سوريا ولبنان والعراق واليمن، لا لمواجهة إسرائيل بل لتثبيت فوضى خلاقة تُنهك العرب وتفكك بنيانهم.
في المقابل، استفادت تل أبيب من كل ذلك، ووسّعت نفوذها دون أن تدخل حربًا مباشرة مع أي دولة عربية منذ عقود.
اليمن... مجرد ورقة على الطاولة
اليمن، تحديدًا، يُترك في الزاوية المظلمة. يظهر الحوثي كبطل مقاومة، بينما هو في الحقيقة أداة ضغط إقليمية.
أما الجنوب، فهو ضحية لانهيار اقتصادي قاتل، وفساد إداري مستشرٍ، وغياب قيادة فاعلة قادرة على إنقاذ ما تبقى من الحلم.
الإعلام الدولي لا يرى اليمن إلا من زاوية "الحوثي والتحالف"، بينما يُحجب الصوت الجنوبي الحقيقي، ويُغيب الواقع المرّ الذي يعيشه السكان يوميًا.
الانتقالي... مسؤولية لا تحتمل التأجيل
على المجلس الانتقالي اليوم أن يتجاوز الخطابات ويبدأ بالفعل:
إصلاح إداري شامل، تشكيل أجهزة رقابية، ومواجهة الفساد بقرارات جريئة تعيد الثقة إلى الداخل وتفرض الاحترام في الخارج.
فالعالم لا يحترم من لا يحترم نفسه، ولا يدعم قضايا مبعثرة بلا بنية تنظيمية صلبة.
مصر وسوريا وملامح خريطة جديدة
من يتأمل المشهد يدرك أن مصر تُدفع نحو الحياد، وسوريا أُرغمت على واقع يُعيدها ما قبل الدولة، والعراق مكبّل، ولبنان مختنق.
إنها خارطة استنزاف منهجية لعواصم العرب الكبرى، لإفراغ المنطقة سياسيًا، تمهيدًا لملئها بـ"وكلاء جدد" يلبسون عباءة الحداثة ويتبعون أجندات الغرب.
الخلاصة:
لسنا أمام حرب بين طهران وتل أبيب، بل أمام شراكة مصالح تُدار بعناية، والضحية شعوب لا تملك القرار.
أما الجنوب، فإما أن ينهض بقراره وإرادته، أو يبقى متفرجًا في مسرحية لا دور له فيها… سوى دفع الثمن.