بلقيس ليست وحدها… من يحمي عدن من "حُماتها"
*- شبوة برس - اللواء سعيد الحريري
في صبيحة حزينة من صباحات عدن، امتدت أذرع الجرافات إلى قلب المدينة، لا لتبني، بل لتهدم ذاكرة.
هدمت سينما “بلقيس”، تلك التي كانت زمنًا منارات للثقافة، ومسرحًا للحياة، ونافذة لعدن على العالم.
هدموها بدم بارد، بأوامر لا تعرف قيمة التاريخ، ولا تحترم المكان والوجدان.
بلقيس لم تكن مجرد مبنى إسمنتي، بل كانت شاهدة على مرحلة عدنية مضيئة؛ زمن كانت فيه عدن تلبس ثياب المدنية وتتنفس الفن وتنهض على صوت الطرب وأغاني فيروز وصور أفلام فاتن حمامة وعمر الشريف.
في بلقيس، جلس العدنيون على مقاعد الخشب يصفقون للحياة، واليوم، جلسوا على الأرصفة يراقبون انكسارها.
لكن المفارقة المؤلمة، أن من هدم بلقيس لم يكن غريبًا ولا محتلًا، بل كان ممن استأمنهم الناس على أمنهم وحياتهم وكرامتهم.
قوات ترفع شعار الحماية، لكنها تحولت إلى أدوات هدم.
لم تُهدم السينما فحسب، بل هُدمت معها ثقة الناس في مؤسسات يُفترض بها أن تحمي لا أن تُمعن في الخراب.
أي ثقافة يُراد لها أن تُبنى على أنقاض الذوق؟
أي عدالة تلك التي تَمنح آلة الهدم ترخيصًا بينما تُمنع القصائد من أن تُلقى في الساحات؟
وهل بقي شيء من عدن لم يُمسّ، لم يُسرق، لم يُدنس؟
هدموا بلقيس، وسيهدمون غيرها، إن لم يقف أبناء عدن وقفة حقيقية، يتقدمهم المثقفون، والشرفاء، وكل من بقي له قلب ينبض بحب هذه المدينة.
فما ينهار اليوم هو أكثر من جدار، وأكثر من خشبة مسرح…
إنه انهيار الذاكرة، وتدمير ما تبقى من روح المدينة التي لطالما كانت ملاذًا للفن، وواحة للتسامح، ومنارة للمدنية.
السكوت عن هدم بلقيس، هو تمهيد لهدم الإنسان نفسه.
فلنقلها بوضوح: لا كرامة لمدينة تُهدم ذاكرتها أمام أبنائها، ولا اعتذار يشفع لمن خان الأمانة وشارك في اغتيال بلقيس.