*- شبوة برس - حافظ الشجيفي
مشكلة تأخير رواتب العسكريين والأمنيين الجنوبيين ليست ناتجة عن جفاف في السيولة النقدية، أو نتيجةً لفسادٍ وإهمالٍ وسوء إدارةٍ حكومية. بل هي، في حقيقتها، خدعةٌ محكمة، وحيلةٌ مدروسة، من أساليب الحكومة المتعددة لتركيع الشعب الجنوبي، وكسر إرادته، والالتفاف على قضيته الوطنية العادلة، وتطلعاته المشروعة نحو الاستقلال واستعادة دولة الجنوب تحقيقا لاجندات دولية.
فكما أشرتُ في العديد من مقالاتي السابقة، فإن الحكومة تتعمد افتعال الأزمات الخدمية والمعيشية للشعب بكافة أشكالها. بهدف دفع الشعب من وراء ذلك للخروج في مظاهرات سلمية، للمطالبة بمعالجة هذه الأزمات التي تفتعلها لإن خروج الشعب في مظاهرات سلمية، تحت وطأة هذه الظروف والأزمات المفتعلة، يعتبر من وجهة نظر الحكومة ومن يقف خلفها مؤشرا على استسلام الشعب، ورضُوخه، وتنازله عن قضيته واهدافه الوطنية الكبرى المتمثلة في الاستقلال واستعادة دولة الجنوب ويصبح مستعداً للقبول بأي خيارٍ آخر مقابل حلحلة هذه الأزمات الاقتصادية والمعيشية والخدمية المفتعلة.
ولكن، هل سيخرج الشعب الجنوبي بالفعل في مظاهرات سلمية للمطالبة بالرواتب والخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية؟
إن هدف كهذا من المستحيل تحقيقه ليس فقط لأن الشعب الجنوبي صلبٌ، وغير مستعدٍ للتنازل عن أهدافه الوطنية مهما كانت النتيجة، بل ولأن الشعوب لا تخرج أبداً في مظاهرات سلمية لمطالبة حكوماتها بمثل هذه المطالب المعيشية فهذا العمل يتعارض مع كرامة الشعوب، بل ومع قوانين الطبيعة البشرية.
فلا يوجد شعبٌ في العالم كله خرج في مظاهرات سلمية بغرض المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية. فالشعوب إما أن تخرج في مظاهرات عنيفة ضد سلطاتها، أو أن تموت بصمت، لكنها لا تخرج ابدا في مظاهرات سلمية من أجل مطالب خدمية ومعيشية. حتى في الدول المتقدمة، حيث تحترم الحكومات شعوبها، لا يحدث هذا أبداً. فالشعوب لا تقبل الذل، ولا يمكن أن تضع نفسها في هذا الموقف المهين أبداً. قد تخرج الشعوب في مظاهرات سلمية للمطالبة بقضايا سياسية، لكنها لا تخرج أبداً في مظاهرات سلمية من اجل مطالب معيشية.