المقاول الإسرائيلي ورب العمل الأميركي

2025-09-10 18:42

 

هو الفارق ـ أيها السادة ـ بين من فتح الأبواب أمام دبابات آرييل شارون، ونثر عليها الورود، ما أتاح له أن يدق بحذائه على باب رئيس الجمهورية، في انتهاك صارخ، وفضائحي، لسيادة البلاد وكبريائها، وبين من أرغموا، بدمائهم، تلك الدبابات على الخروج، تحت جنح الظلام، من أرضنا، ليكتب عاموس أوز: "لكأنه الخنجر اللبناني في خاصرة يهوه"، وليقول رئيس الوزراء، آنذاك، إيهود باراك: "لقد آن الأوان لكي يخرج جنودنا من جهنم...".

 

ماذا فعل "حزب الله" يوم التحرير؟ هل استولى على السلطة، مثلما يفعل عادةً أبطال التحرير؟ وهل توجه بسلاحه إلى رجال الميليشيات التابعة للاحتلال، والذين ارتكبوا من الفظاعات بحق أبناء بلدهم أكثر بكثير مما ارتكبه جنود الاحتلال؟ لا ضربة كف واحدة، ولا تظاهرة في بيروت احتفاءً باليوم العظيم، على غرار التظاهرات الهائلة التي سارت في شوارع باريس لدى رحيل القوات النازية عنها.

 

هذه هي قيم المقاومة في لبنان، خلافاً لأي مقاومة أخرى نفذت عمليات إعدام ميدانية في الشوارع، وحتى داخل البيوت، بحق من تواطؤوا مع الاحتلال. لعلكم قرأتم ما حل بعشرات آلاف النساء اللواتي وضعن أجسادهن في خدمة الغزاة. كيف كانت قامة السيد حسن نصر الله، بالألق التاريخي، في ذلك اليوم. "اللوموند" الفرنسية استعادت صورة الفيتنامي الرائع هوشي منه الذي جثا على الأرض من أجل أن يعلن امتنانه للعشب الذي "قاتل إلى جانبنا".

 

الآن تغيرت أشياء كثيرة على الأرض بتغير الوضع السوري، وبظهور الاختلال المروع في موازين القوى، حين كانت إسرائيل تقاتل، وتقتل، بالقاذفات الأمريكية، وبالقنابل الأمريكية، وبالأقمار الصناعية الأمريكية، وحتى بالأموال الأمريكية، دون إغفال الإنجازات الهائلة التي حققتها إسرائيل في مجال التكنولوجيا العسكرية، وكذلك التكنولوجيا الاستخباراتية. حتى بدا وكأن العيون الإسرائيلية موجودة في كل بيت، وحتى تحت ثياب كل واحد ترى فيه خطراً عليها، لتبدو حرب الشهرين، وكأنها من أكثر الحروب غرابة في التاريخ، وقد أحاطت بها ملابسات كثيرة، دون أن يحجب ذلك البطولات التي أظهرها المقاومون على الأرض في منع الدبابات، وتحت غطاء جوي جنوني، من الزحف، لتكون بلدة الخيام المثال على الأداء الخارق للمقاومين، وفي ظروف لطالما وصفناها بأنها أكثر من أن تكون مستحيلة. بكل معنى الكلمة كانت أياماً للتاريخ. أياماً فوق التاريخ!

 

حتى اللحظة، وغداة الكلام عن تفعيل اللجنة الدولية لمراقبة وقف النار، وغداة محادثات قائد القيادة الأمريكية المركزية الجنرال براد كوبر، ها هي إسرائيل ما زالت تقتل من شاءت، وتدمر أينما شاءت، ودون أن تطلق المقاومة رصاصة واحدة، في موقف عقلاني، والتزاماً باتفاق وقف الاعتداءات. ولكن متى اكترثت إسرائيل بالاتفاقات، وبالمواثيق الدولية؟ دولة فوق القانون، باعتبارها، وكما صرح بنيامين نتنياهو، تعمل وفق النصوص التوراتية، وبأمرة "رب الجنود"، أي إله العبرانيين، دون أن ننسى دعم الإمبراطورية التي ترى في نفسها ما فوق العالم، حتى أن الفيلسوف الفرنسي فرنسوا يورغا تساءل: "ومتى يعلن دونالد ترامب... أنا الله؟".

 

لكأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يجر الرئيس الأمريكي، وصاحب شعار "لنعد أمريكا العظمى"، وراءه، وإن كانت الوقائع تشير إلى أن نتنياهو الذي يحسب نفسه المبعوث الشخصي ليهوه من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى"، ليس سوى مقاول إقليمي لرب عمل أمريكي يريد تحويل البلدان العربية إلى حطام سياسي، واستراتيجي. لا نتصور أن العرب كانوا بحاجة إلى ذلك الاستعراض الدموي الرهيب لكي ينزلوا، أكثر فأكثر، إلى ما تحت الزمن.

 

الغيبوبة القبلية في ذروتها، وهي الغيبوبة الأبدية، حين نشاهد التظاهرات الضخمة في بلدان العالم، لا سيما في العالم الغربي، تنديداً بالهمجية الإسرائيلية في غزة، دون أن نجد كائناً بشرياً في العالم العربي، باستثناء القلة القليلة، يرفع صوته، ولو من باب العودة الخاطفة إلى شَعرِ عنترة بن شداد.

 

الائتلاف اليميني ماضٍ في مشروعه التوراتي، ولسوف نشهد ما هو أشد هولاً بكثير، لا مجال لأي سلام يقوم، ولو على التوازن الدبلوماسي. سوريا المثال. الإسرائيليون كانوا، بشكل أو بآخر، شركاء في التغيير. وهكذا تم تصنيع أحمد الشرع ليبِيعَه رجب طيب أردوغان إلى بنيامين نتنياهو. كم مرة أعلن الرئيس السوري بأنه ليس عدواً لإسرائيل وإلى حد القبول بتدمير كل مراكز الجيش السوري، بدءاً من مبنى هيئة الأركان وسط دمشق. ما كانت النتيجة؟ إقامة زنار من النار حول القصر الجمهوري، وقضم كل المواقع ذات البعد الاستراتيجي في الجنوب السوري، لتكون دمشق على بعد دقائق من دبابات إيال زامير.

 

ألا يفترض، والحال هذه، أن يكون لبنان وسوريا في خندق واحد. خندق واحد؟ وماذا يجدي ذلك حين تكون سوريا مفككة، وحين يكون لبنان مفككاً. دولتان ممنوعتان من امتلاك أي سلاح لحماية أمنهما الإقليمي.

 

في ضوء كل ذلك، لسنا سوى ضيوف شرف على هذه الفضيحة الكبرى. على هذه الغيبوبة الكبرى، بالرغم من معرفتنا بما في رأس بنيامين نتنياهو، لكننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء سوى أن نسند رؤوسنا إلى الكتف الأمريكي. يا للمهزلة حين نصل إلى ذلك الحد من الغباء. كثيرون قالوا لنا: "أن تسندوا رؤوسكم إلى كتف ترامب يعني أن تسندوا رؤوسكم إلى بنيامين نتنياهو الأصلي..."!