استراتيجية القباقيب في العالم العربي

2025-11-21 23:33

 

نعلم إلى أين يريد أن يسوقنا. حتما إلى سوق العبيد. ولكن إلى أين يذهب باليهود حين يقنعهم بأن الطريق الذي تتكدس فيه الجماجم لا بد أن يصل بهم إلى "مملكة يهوه"؟ أي إله ذاك حين يكون لديه ذلك الشبق الإسبرطي إلى الدم؟ لا نتصور قط أن باستطاعة الشيطان أن يكون كذلك. لنسأل: ما هو ذلك الشيء الذي يُدعى... العرب؟

 

منذ طفولتنا وهم يقولون إن فلسطين هي قضيتهم، وإنهم في الطريق إلى تحريرها، لنبقى، لعقود طويلة، ضحايا ذلك النفاق العظيم، وإلى حد الرهان بأن ياسر عرفات، بدبلوماسية فيفي عبده، سيرفع كوفيته على قبر راحيل. قضية العرب، هؤلاء العرب، هي شهرزاد حين تتوقف عن الكلام المباح وتمضي إلى مخدعها. هنا "طريقنا الاستراتيجي إلى ألف ليلة وليلة".

 

حتى الخلفاء، خلفاء الله لا خلفاء الرسول، كانوا يقتنون الغلمان والجواري. وقد أشرنا إلى أن عقبة بن نافع عندما فتح شمال أفريقيا باسم الإسلام، بعث إلى الخليفة، بصفته أمير المؤمنين، بواحد وثمانين ألف جارية، وحشرهن جميعا في غرفة نومه. وللعلم أكثر، ففي الثمانينات من القرن الفائت ابتاع حاكم عربي صورة باتي، ابنة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وهي عارية، بعشرة ملايين دولار.

 

تعلمون بطبيعة الحال أن أعداد الضباط والجنود العرب بالملايين، ومعهم آلاف الطائرات والدبابات، ولكن دون إطلاق رصاصة واحدة على إسرائيل باعتبارها "الابنة الكبرى" لأميركا التي لولاها لتناثرت أنظمتنا المقدسة كما الأوراق الميتة. هكذا استبقينا في اجترار ثقافة القرون الوسطى. حسنًا فعل حكامنا لكي نمزق لحوم بعضنا البعض، ولكي نطحن عظام بعضنا البعض. أين هو لبنان الآن؟ وأين سوريا؟ والعراق؟ والجمهورية العربية اليمنية؟ وليبيا؟ والسودان؟ والصومال؟ وأكثر وأكثر... أين هي فلسطين؟ قال محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، ونحن نقول "على هذه الأرض ما يستحق الموت". وها نحن نتذوق كل أشكال الموت قبل الموت.

 

نحن اللبنانيين الذين قال سعيد عقل إننا سبقنا نيل آرمسترونغ إلى سطح القمر، على إيقاع أغنية فيروز، سفيرتنا إلى هناك. كيف لنا أن نبقى على تشتتنا، وراء المتاريس الطائفية، ونحن أمام تلك الثلة من الذئاب التي احترفت صناعة الدم؟ نستذكر قول الفيلسوف الفرنسي الكاهن تيار دو شاردان "لقد صلبوا البشرية كلها عندما صلبوا السيد المسيح". لكأن الكثيرين يشبهون أطباق الهوت دوغ على مائدة الملك.

 

وها هي دمشق، التي تستضيف ضريح صلاح الدين الأيوبي قوة السيف، ومقام محيي الدين بن عربي قوة الروح، وقبر أبي نصر الفارابي قوة العقل، تفتح أبوابها مجددا لتيمورلنك الذي سحق أطفالها بحوافر خيوله. لكن انتبهوا: "سلطة التحرير" نددت بجولة بنيامين نتنياهو وأركان حربه في الجنوب السوري، من دون أن يرتفع صوت واحد، أو تُطلق رصاصة واحدة. إنها "استراتيجية القباقيب" في العالم العربي. ألا تليق بنا، وأكثر، تسمية "القباقيب البشرية"؟

 

كم هللنا للاستقبال الملكي للرئيس أحمد الشرع في البيت الأبيض، أي قبل أيام من احتفاء مطار بن غوريون بهبوط الطائرة رقم ألف من الطائرات التي تنقل الإمدادات العسكرية من الولايات المتحدة، إضافة إلى كندا وألمانيا اللتين تعوضان لليهود عن قتلى الهولوكوست بالقتلى الفلسطينيين واللبنانيين، الذين ما عليهم سوى الاستسلام أمام الحاخامات، ولو كانت وجوههم ولحاهم ملطخة بدمائنا. حقا، ما هو الحل الآخر إذا كان العرب، أشقاؤنا العرب، قد رفعوا الرايات البيضاء عند بوابات القصور وعند بوابات المقابر؟

 

حتما ثمة أشياء كثيرة تحدث في الظل، للبحث في طريقة التحاقنا بالقافلة، وتسليم رؤوسنا إلى بنيامين نتنياهو. أليس هذا ما تقتضيه العملية الدبلوماسية بعدما تبين أن "الميكانزم" مجرد حلقة كوميدية في سيناريو الاستسلام؟ المقاومة محاصرة من كل حدب وصوب. قامات عالية، بعلو جبال صنين، هكذا تظهر على الشاشات، احترفت ثقافة النميمة، لتأخذ شكل الجرذان البشرية وهي تدخل من الأبواب الخلفية إلى الدوائر الأميركية للتحريض على رئيس الجمهورية وقائد الجيش لرفضهما تحويل الجمهورية إلى مستنقع للدم. هكذا تم إلغاء زيارة العماد رودولف هيكل للعاصمة الأميركية، من دون أن نعرف ما يُعد للرئيس جوزف عون، بل لما يُعد للبنان.

 

يفترض بنا، ونحن بين الأسلاك الشائكة أو بين السواتر الترابية، أن نتوقف أمام كلام دونالد ترامب: "من المرجح أن نتوصل إلى اتفاق مع إيران". أي شرق أوسط في هذه الحال؟ بل أي لبنان؟ لا شك أن الرئيس الأميركي وقع في إغراء الأربعة تريليونات التي لمح إليها آية الله خامنئي. لنرى الزائرين القدامى لدمشق، ثم المنقلبين عليها، يتوجهون زرافات ووحدانا إلى طهران. هؤلاء الساسة الذين يشبهون، برؤوسهم، دواليب الهواء.

 

تذكرون كيف هدد ترامب بإزالة كوريا الشمالية من الوجود بالضربات النووية، لنراه بعد حين يكاد يتبادل القبلات مع كيم جونغ أون. وقد ترونه قريبا بين يدي مرشد الجمهورية الإسلامية. ماذا تقول إسرائيل؟