كان معاوية بن أبي سفيان يقول: «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إن شدّوها أرخيتها، وإن أرخوها شددتها»، وهي مقولة صارت رمزًا لفن إدارة السياسة وتوازنها بين اللين والحزم. غير أن ما يجري اليوم ضد الإعلاميين الجنوبيين يثبت أن تلك "الشعرة" قد قُطعت عمدًا، فلم يعد هناك ما يُبقي على مساحة التهدئة أو مداراة الخصوم.
لقد ظل الإعلام الجنوبي ــ عبر مؤسساته ورجاله ــ يمارس دوره بوعي ومسؤولية، مدركًا أن الكلمة الحرة أمانة، وأن الصراع لا يُدار بالشتيمة ولا بالتحريض، بل بالحجة والرسالة. لكن الحملات العدائية الأخيرة، التي استهدفت رموزًا إعلامية جنوبية شابة مثل صلاح العاقل وأسامة الشرمي، لم تكن مجرد اختلاف في الرأي أو نقد عابر، بل كانت محاولة ممنهجة لإسكات الصوت الجنوبي وإقصائه من ساحة الفعل.
إنها لحظة فاصلة: لم يعد الحديث عن شعرة تشد أو تُرخى، بل عن قطيعة فرضها من لا يطيقون رؤية إعلام جنوبي حر. وهنا يصبح لزامًا على النقابة وعلى كل الإعلاميين الجنوبيين أن يتعاملوا مع الواقع الجديد بروح المواجهة، لا بروح الانتظار.
فالمسألة لم تعد تخص أفرادًا بعينهم، بل تتصل بجوهر معركة الجنوب في الدفاع عن كلمته وحقه في أن يكون له إعلامه، المستقل في رسالته والصلب في مواقفه.