قراءة في دلالات حضور الجنوب في دورة الأمم المتحدة الـ80

2025-09-24 18:27
قراءة في دلالات حضور الجنوب في دورة الأمم المتحدة الـ80

 

التمثيل في سياق الشراكة:

 

*- شبوة برس - حافظ الشجيفي

ليس في طبيعة الشراكات السياسية الرصينة أن تُذيب الخصوصيات، أو تُميع الهويات، أو تُسقط القضايا الجوهرية من حساباتها. بل إن قوامها الحقيقي، ومنبع قوتها، يكمن في قدرتها على أن تكون إطاراً جامعاً لتعددية واضحة داخله، تتعايش فيه الإرادات وتتقاطع من أجل أهداف مرحلية، دون أن تفقد أيٌ منها شخصيتها المستقلة أو تتنازل عن المبادئ التي تحملها . فالشراكة الحقة ليست انصهاراً للاطراف ينتج كياناً جديداً مختلفا، بل هي لوحة فسيفسائية يحتفظ فيها كل حجر بلونه وشكله المميز، ليُكمل مع غيره صورة أكبر، بحيث تظل مكوناته الأصلية فيها بارزة للعيان وهذه الفلسفة ليست مجرد تنظير أكاديمي، بل هي المفتاح العملي لفهم أبعاد الكثير من الشراكات القائمة، وأبرزها اليوم تلك القائمة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وما يُعرف بالشرعية اليمنية.

 

وفي هذا الإطار بالذات، تأتي زيارة القائد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لتمثل محكاً حقيقياً وامتحاناً دقيقاً لطبيعة هذه الشراكة. فالحضور ليس مجرد حضور شكلي، بل هو بيان سياسي وقانوني تتقاطع فيه خطوط عريضة من الدلالات. على نحو يشكل اختبار للروح التي تسري في جسد هذه الشراكة: هل هي روح التبعية والاندماج، أم هي روح الاعتراف بالشراكة الحقيقية القائمة على تمثيل المصالح المتميزة لكل طرف؟

 

وبالعودة إلى الأصل النظري لهذه الفلسفة، فإن الزبيدي، بصفته ممثلاً للشعب الجنوبي والقضية الجنوبية داخل إطار الشراكة، يكون ملزماً – أخلاقياً وسياسياً وقانونياً – بتمثيل تلك القضية على منصة الأمم المتحدة. فالقضية الجنوبية، كما هو معترف به في دوائر دولية كثيرة، ليست نبتة طارئة في غابة الأزمة اليمنية، بل هي جذر تاريخي متعمق، وأحد الملفات القديمة التي تنتظر حلاً عادلاً على ضوء مواثيق القانون الدولي ومبادئ حق تقرير المصير. والشعب الجنوبي، الذي فوض المجلس الانتقالي بتشكيل هيئته السياسية المعبرة عنه، لم يمنحه التفويض لتمثيل "اليمن" ككيان موحد ، بل فوضه بشكل قاطع وجلي بتمثيل "الجنوب" وقضيته العادلة في استقلاله واستعادة دولته.

 

ومن هذا المنطلق، فإن المنطق السياسي السليم والدبلوماسية الرشيدة تقتضيان أن يكون تمثيل الجنوب في نيويورك منفصلاً ومتميزاً في جوهره عن اي قضية اخرى، ولو كان متزامناً ضمن وفد تقني واحد. فكما يمثل الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قضيته ووجهة نظره حول "اليمن"، ينبغي أن يمثل الرئيس عيدروس الزبيدي قضيته ووجهة نظر "الجنوب". وأي خلط بين هذين المستويين من التمثيل يشكل انتقاصاً من الحقوق الوطنية للشعب الجنوبي، وتجاوزاً للتفويض الشعبي الممنوح للمجلس الانتقالي، ومخالفة للأعراف الدبلوماسية التي تحتم على الممثل أن يكون ناطقاً بلسان من يمثلهم فقط.

 

وما يعزز هذا المطلب، النجاحات السياسية الملموسة التي حققها المجلس الانتقالي بقيادة الزبيدي في فرض وجوده وتعزيز موقعه كطرف لا غنى عنه في المعادلة اليمنية. باستعادة "القرار الجنوبي" الذي تم انتزاعه على الأرض ، والذي أسفر عن حالة من التوازن داخل إطار الشراكة، لا بد أن يجد انعكاسه الطبيعي والمشروع على الصعيد الدولي. فالأمم المتحدة، باعتبارها المنبر العالمي الأهم، مدعوة إلى الاعتراف بهذه الحقيقة السياسية الجديدة، وهي أن الحديث عن حل الأزمة اليمنية دون منح القضية الجنوبية أولوية مستقلة ومكانة تمثيلية متساوية هو حديث ناقص ومآله الفشل.

 

لذلك، فإن المشاركة القادمة لا يجب ان تكون مجرد حدث إخباري عابر، بل هي لحظة حقيقية لتقييم حقيقة المجلس الانتقالي في الشراكة. فهي المرآة التي ستعكس هل يتم التعامل معه كشريك حقيقي يحمل قضية مستقلة، أم كمجرد تابع تم استيعابه ضمن جسم آخر. فتمثيل قضية الجنوب بكل وضوح وجلاء في قاعة الأمم المتحدة هو المعيار الذي سيقاس به نجاح  المجلس الانتقالي في تجسيد مبدأ الشراكة النظري على أرض الواقع. والجنوبيون، والعالم بأسره، يترقبون أي لغة سيتكلم بها ممثلهم في ذلك المحفل الدولي: لغة التبعية، أم لغة الشراكة الحقة التي تحفظ للقضية الجنوبية هويتها، وتمنح لأصحابها الحق في أن تكون كلمتهم مسموعة.