كان الجنوب ولا يزال وسيظل وطناً واحداً موحداً، رغم تعدد كياناته السياسية التي بلغت ثلاثاً وعشرين سلطنة وإمارة ومشيخة قبل رحيل بريطانيا من عدن وبقية المحميات الجنوبية. وكان الجنوبيون على امتداد التراب الجنوبي يتنقلون ويعيشون في هذا الإقليم من العالم العربي باعتبارهم أبناء وطن واحد، أُطلق عليه "إقليم حضرموت" فيما مضى من قبل المؤرخين العرب وغيرهم.
أما الإخوة اليمانيون فقد كانوا يسمونه "عدن"، قاصدين بهذه التسمية الجنوب كله. وعلى هذا الأساس، كان ينبغي على التنظيم الذي سلّمته بريطانيا الاستقلال في نهاية شهر نوفمبر عام ١٩٦٧م أن يخيّر شعب الجنوب بين تسمية بلده "عدن" أو "حضرموت" في استفتاءٍ يُجرى في ظل حرية رأي وتعددية سياسية. وهو اقتراح عقلاني رشيد.
وننوّه هنا باقتراح الرئيس قحطان الشعبي بتسمية بلده "دولة عدن" أو "دولة حضرموت"، والذي اعترض عليه اليمانيون ومعهم المتيمننون من أمثال البيض وأضرابه. فكانت التسمية "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"، وبعد إطاحة الرئيس، اسْتُبْدِلَتْ بـ"الجنوبية الديمقراطية". لِتتوجه المشاعر الوطنية الجنوبية نحو البلاد التي احتلت الجنوب منذ الاستقلال ولو معنوياً، ثم احتلته عسكرياً واستيطانياً منذ الثاني والعشرين من مايو عام ١٩٩٠م، بحديث نظام الثاني والعشرين من يونيو عن "يمن" الجنوب جزء منه، وليس وطناً قائماً بذاته، فقُمِعت مشاعر أهله نحوه.
لتتوجه المشاعر - كما أسلفنا - نحو وطن آخر، تمهيداً للتخلي عنه لصالح محتل أخطر وأخبث. وهو ما يفسر اليوم الارتباك والحيرة لدى البعض، وتوزع المشاعر بين وطنين، كتوزع مشاعر زوج بين ضرتين!
لقد مارس النظام السياسي الجنوبي السابق منذ ١٩٦٩م القمع ضد القوى السياسية الجنوبية التي أبت التفريط في بلدها بحجة أنه جزء من جاره الشمالي، ووصفها بأنها انفصالية. وكانت هذه التهمة كفيلة بأن تذهب بصاحبها إلى ما وراء الشمس! فقُمِعت مشاعر الولاء للجنوب وحبه في نفوس أبنائه، وحل محلها الحديث عن وطن آخر اسمه اليمن.
نحن اليوم بحاجة إلى مزيد من الجهود لإيقاظ المشاعر الوطنية الجنوبية في نفوس كل الجنوبيين، باتباع سياسة "وحد تُسَد" بدلاً من سياسة نظام "جنوب البيض" وأضرابه من المتيمننين الباحثين عن الحنان عند "زوجة الأب"، والذين اتبعوا - دون أن يدروا - سياسة "فرق تَسُل" وليس "تسد"، وهي السياسة التي يتبعها المحتلون اليمنيون في الجنوب منذ ما قبل رحيل بريطانيا وحتى اليوم.
فلنتحدث اليوم عن وطن جنوبي موحد وشعب جنوبي غدرت به قوى التآمر اليمني، وتابعوهم من الجنوبيين ممن كانوا أسرى أوهام الأيديولوجيا التي تستهين بالأوطان!