وللمواطن دور في تثبيت أمن عدن .

2015-12-11 00:02

 

ترسيخ الأمن في مدينة عدن الباسلة لا يجب ان يقتصر على جهود المؤسسة الامنية وحدها ، لأن انجاز هذه المهمة في الواقع أكبر من قدرة هذه الأجهزةعلى انجازهافي الظروف الراهنة.

 

صحيح ان تسليم مقاليد المحافظة لشخصية محسوبة على المقاومة الجنوبية وتحظى باحترام شعبي كبير ، وزمام الأمن فيها لشخصية أخرى بنفس المستوى ومشهود بوطنيتها وشجاعتها وكفاءتها ، يفتح باب الأمل واسعاً أمام مؤسسات الأمنللقيام بوظيفتها

ودورها لإستعادة الطمأنينة والسكينة  في هذه المدينة الوادعة  ، لكن هذا وحده لا يكفي . 

 

فكلنا يعرف ان المؤسسة الأمنية تحتاج الى اعادة تأهيل ثقافي واعادة هيكلة بنيوية للتخلص من تركة عفاش الثقيلة التي اسست جمهوريته الجهوية على الولاء الطائفي والمناطقي والشخصي بدلا من الولاء الوطني ، وقد كان حظ مؤسسة الأمن تحديدا من هذا التخريب العفاشي كبيراً ووافراً.

 

أنا شخصيا لن يفاجئني الإعلان يوماً عن توفر أدله على ان بعض ممن يقف وراء الإختلالات الأمنية في مدينة عدن هذه الأيام ، هم من منتسبي أجهزة أمنية تم تشويه وعيهم من خلال تربيتهم وتعبئتهم لسنوات طويلة بان الولاء لعفاش يعني الولاء للوطن .

 

اعادة بناء هذه المؤسسات على اسس وطنية سيتطلب بعض الوقت  ، لكن هذا لا يعني اننا نعيش حاليا بدون مؤسسة أمنية بالمطلق ، انما علينا ان نعترف ان هذه المؤسسة ليست بكامل جهوزيتها وكفاءتها ..

 

فهل يستطيع المواطن في عدن المساعدة بسد النقص في قدرة وفعالية وكفاءة هذه الأجهزة الآن؟

نعم يستطيع ..!  اذا اعتبر كل مواطن في عدن ان أمن المدينة هو مطلب ، وأمل ، وأمنية ، ومسؤولية شخصية له .

هؤلاء الذين تركهم عفاش خلفه كخلايا مندسة، تمارس التخريب والتفجير والقتل ، لا يخرجون من جبال نائية ، أومن صحارى منعزلة ، بل يعيشون بين سكان المدينة ، يجّهزون عبواتهم القاتلة في بعض منازلها ، ثم يتحركون بسيارات الموت في شوارعها ، وعندما يزرعون عبواتهم او يركنون سياراتهم المفخخة ، او يهاجمون  ، فهذا يتم امام اعين الناس لكن الناس لا تلقي بالاً للأمر الا بعد وقوع الجريمة ، لأن الناس بطبيعتهم يتصرفون بحسن نية واحيانا بلا مبالاة  .

 

طبعاً ليس مطلوبا ان يعمل المواطن كرجل أمن او مُخبر، بل كل ما هو مطلوب منه هو ان يتميز باليقظة والتنبة لأي فعل او تصرف يوحي بالريبة ، من اشخاص او سيارات يمكن ان يكونوا او تكون محل شبهه او شك .

يكفي ان يحس الحوافش القتلة بأن الشارع اصبح متيقظا ومنتبها ومتوحدا خلف اجهزته الأمنية لكي ترتبك مخططاتهم  ، وتتزعزع ثقتهم في نفوسهم ، ما يدفعهم الى ارتكاب الأخطاء التي ستقود في النهاية الى سقوطهم  .

 

ولو تذّكر كل مواطن ان في يده باستمرار اداة توثيق هامة وخطيره وهي كاميرا هاتفه النقال ، وقام بتشغيلها عند وقوع فعل ارهابي او عند الإشتباه بوقوع مثل هذا الفعل، وحتى لو اقتصر الأمر على التقاط رقم لوحة او نوع سيارة ولونها وموديلها ، فإنه بهذا التصرف الذكي والواعي يكون قد قدم اسهاما عظيما في حماية اهله ومدينته ، ناهيك عن تقديمه معلومات قيمه لا غنى عنها للساهرين على امنهم وامنها  .

 

ليس هناك شك ان تفاعل المواطن في عدن مع الأجهزة الأمنية سوف يؤدي حتما الى تقليم اظافرالحوافش المنتشرة في المدينة ، وتقليل الحوادث الإرهابية والإجرامية الى ادنى مستوى ،او لعله سيؤدي الى القضاء عليها بشكل كامل ونهائي .

 

لكن لكي يحقق هذا التفاعل الطوعي بين المواطن والمؤسسة الأمنية بقيادتها الجديدة النتائج المرجوة منه ، فانه يتوجب العمل على اعادة بناء جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات طويلة من التدمير الممنهج لهذه العلاقة خلال سنوات حكم عفاش البغيض  .

 

هذا يعني انه لا بد من تغيير الرؤية ، والفكرة ، والقناعة لدى المؤسسة الأمنيةلعلاقتها بالمواطن وتحويلها منعلاقة إبتزاز، واستغلال ، وتناقض ، وشك ، وعداء ، كما اسس لها الحكم العفاشي ، الى علاقة تكامل ، وتوافق ، وتآلف ، وانسجام بين طرفين المواطن بها هو المالك ، وصاحب العمل والمال والحلال كما يقال ، والدولة باجهزتها الأمنية مجرد موظفين لدى المواطن يسهرون على خدمته ،وراحته ، وضمان أمنه وسكينته الإجتماعية والشخصية .

 

هل تحقيق ذلك ممكن ؟

نعم تحقيق ذلك ممكن اذا نجحت المؤسسة الأمنية بقيادتها الجديده على ضمان الآتي :

اولاً : إمتناع منسوبي الأمن عن التدخل في حياة المواطنين اليومية سواء بالإعتداء والعسف ، اوبالتحيز والمحاباة ، وعدم التسامح مع حالات استغلال البدلة الرسمية والنجوم التي على الأكتاف لإلحاق الأذى بمواطن ، او الإساءه اليه، أو قهره أوالإفتئات عليه .

ثانياً : حرص منسوبي المؤسسات الأمنية على تطبيق القانون في التعامل مع المواطن ، وبما يليق به من الإحترام سواء في الشارع ، او في أقسام الشرطة ، او اثناء التحقيق .

 

ثالثاً: مكافحة ظاهرة الرشوة والإبتزاز الموروثه من النظام العفاشي ، والذى يمكن ان يمارسها بعض ضعاف النفوس من منسوبي الأمن  ، وصولا الى تكريس القناعة لدى المواطن قولاً وسلوكاً بأن أجهزة الأمن تستحق ثقته ، وانها اصبحت مؤتمنه على حياته، وماله ، وبيته ، ويومه ، وغده .

رابعاً : توعية منسوبي الأمن بأن غاية كدّهم ، وجهدهم ، وتضحياتهم هو حماية المواطن من اي مخاطر قائمة او محتملة ،وتوفير الأمن والإستقرار له في ظل سيادة القانون .

لو تحقق ذلك فمن المؤكد ان تستعيد عروس المدن أمنها وطمأنينتها ، وربما يعود الناس مجددا لوصف عدن بمااشتهرت به في خمسينيات القرن الماضي ، باعتبارها المدينة الأكثر اماناً في الشرق الأوسط .