لا تزال الحملة المسعورة ضد قرار ترحيل الإخوة الشماليين من عدن الذين لا يحملون بطاقات شخصية على أشدها بل تزداد وتيرتها كل يوم بهدف إظهار الجنوبيين أنهم مجتمع عنصري بينما الحقيقة الشماليون هم العنصريون ويغلب مجتمعهم غياب المساوة بين المواطنيين
قبل سنوات قليلة الجميع يتذكر تصريحات القيادي في حزب الاصلاح الشيخ حميد الأحمر في مقابلته الصحفية مع رئيس تحرير صحيفة (الوسط ) اليمنية حين وصف أبناء عدن ان غالبيتهم أصولهم هندية وصومالية ؟ ليعتذر لاحقا عن ذلك .
وفي نقاش حاد جري بيني وبين الاخ السفير عبد الله الصايدي في برنامج ساعة حرة في الفضائية الأمريكية ( الحرة ) حين انتقد موقفي المطالب بفك الأرتباط مع اليمن بقوله هل نسيت يادكتور السقاف أن نصف إن لم يكن ثلاثة أرباع سكان عدن أصولهم من تعز كيف ستتعاملون معهم عند فك الإرتباط ؟؟ وكان ردي عليه حينها أن عدن ليست الجنوب كله بغض النظر عن صحة أوعدم صحة ما قلته عدن هي صحيح عاصمة الجنوب ولكنها ليست هي الجنوب كله .
والآن أمام الحملة الشمالية التي تريد إضهار عدن والجنوب أنهم مجتمع عنصري تذكرت أقوال السفير الصايدي الذي أصبح بعد ذلك وزير خارجية حكومة بحاح الاولى ان الحملة الأمنية بالتدقيق في بطاقات المواطنين اذا كان دافعها عنصري سيعني ذلك إفراغ نصف أو ثلاثة أرباع عدن من سكانها على أساس أن أصولهم من تعز !! وهو أمر غير معقول ويظهر بوضوح الطابع السياسي الرخيص في الحملة الأعلامية ضد الجنوب التي لاعلاقة لها بالعنصرية إطلاقآً .
هل يمكن للأخوة في اليمن أن يعطونا مثالاً واحداً لجنوبي تولى قبل الرئيس هادي قمة السلطة التنفيذية في اليمن كما حدث في الجنوب بتولي عبد الفتاح إسماعيل فى آن واحد وللمرة الأولى في الجنوب رئاسة الدولة ورئاسة الحزب الاشتراكي الحاكم وتولى معه محمد سعيد عبد الله الملقب ب( محسن ) وزيرا ًلأمن الدولة في عام ١٩٧٨ ولم يتولى مثلهما
جنوبي في أي مناصب قيادية ذات حساسية بالغة في فترة الجمهورية العربية اليمنية .
وحتى الى وقت قريب بوجود الرئيس هادي ونائبه خالد بحاح قبل ان يستبدل بنائب الرئيس علي محسن الأحمر نظريا كانت مفاصل الدولة في رئاسة الدولة والحكومة تقع تحت إمرتهما ولكن عمليا لم تكن تحت أيديهما وتحت سلطاتهما قبل وبعد إستيلاء الدوائر الحكومية واسلحة الجيش من قبل الحوثيين بالتعاون مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح .
ان سياسة التفرقة والتمييز بين المواطنيين في اليمن جزءا لايتجزء من النظام السياسي والإجتماعي في اليمن من عهد الإمامة حتى مابعد قيام الجمهورية في التراتيبية الأجتماعية في التمييز بين السادة الهاشميين والقضاة في قمة السلم وفي اسفله مايسمي بالمزينين ( الحلاقيين ) واصحاب المهن الحرة وذات البشرة السمراء في تهامة علي وجه الخصوص .
أليس أيدولوجية حكم نظام الامامة الذي استمر حتى فترة حكم الرئيس صالح أكثر من الف عام هو نظام يقوم علي التمييز بين المواطنيين بحصر حكم اليمن علي المنتمين الي المذهب الزيدي حصريا وما دون ذلك لا يحتلون قمة السلطة حتي في إطار النظام الديمقراطي الذي صاحب قيام دولة الوحدة ولم يؤخذ منه غير واجهته الديمقراطية دون تغيير فعلي في عقلية النخب الحاكمة سواء السياسية او القبلية او الدينية
إن ماقامت به سلطات عدن وبعض المحافظات الجنوبية من إجراءات نحو الخلايا الشمالية النائمة في الجنوب لاينبع من نظرة عنصرية إطلاقا وإنما من منطلق أمني إحترازي ذي طابع مؤقت يزول مع زوال الاوضاع الأمنية في البلاد وعودة الامن اليها
ومثل هذه الإجراءات الأستثنائية لجأت اليها كثير من الديموقراطيات العريقة مثل الولايات المتحدة الامريكية اثناء الحرب العالمية الثانية بعزل الامريكيين من اصول يابانية وبعد حادثة ١١ سبتمبر ٢٠٠١ نحو الامريكيين من أصول عربية واسلامية, وكذلك علي مستوى فرنسا مؤخرا بعد احداث نوفمبر ٢٠١٥ علي اثر تفجيرات باريس الدامية في تعاملها مع مواطنيها ذات الأصول العربية والاسلامية فهل تريدون من الجنوب ان يكون أكثر ديمقراطي من تلك الديمقراطية العريقة أم انكم بكل بساطة تحت غطاء الدفاع عن الشماليين تريدون الاستمرار في زعزعة الامن في عدن والجنوب ؟؟
في الخلاصة
عاش الجنوب لمدة ١٢٩ عاماً في فترة الاستعمار البريطاني في إطار دولة مدنية و٢٣ عاماً في إطار دولة علمانية عاش فيها الجنوبيون مع اليمنيين في تآخي وإنسجام كاملين دون تمييز لا يبحث احد في إصول المواطنين والمقيمين خاصة في نطاق عدن ولم تظهر هذه الظاهرة بشكل صارخ ومتناقض إلا بعد الوحدة الفاشلة وبسبب السياسة الخبيثة التي أنتهجها صالح في الجنوب بعمليات توطين مكثف وبهجرات جماعية من الشمال الي الجنوب في محاولة جعل الجنوب اقلية سكانية في مناطقهم الجنوبية مما خلق بطبيعة الحال حساسيات بين الطرفين لم تكن موجودة في السابق قبل الوحدة .
ومما عمق هذه الظاهرة وكشفها بشكل صارخ احتلال الحوثيين لعدن والجنوب في ٢٠١٥ ووقوف المهاجرين الجدد للجنوب مع قوى الاحتلال الجديدة في حين أبناء عدن من نزحوا اليها من تعز وغيرها من المناطق وقفوا مع الجنوبيين الاخرين في الدفاع عن عدن والجنوب وبذلك أكدوا انتمائهم الي المدينة المفتوحة التي اندمجوا فيها منذ عقود وماتمثله من نموذج للتعايش بين المجتمعات ذات الاصول المختلفة
علي الاخوة في اليمن وبعض عناصر الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي الاستشعار باهمية فرض الامن والاستقرار في عدن والجنوب لان باستقرارهما سيتحقق إستقرار امن اليمن والجزيرة العربية والاجراءات المتخذة في الترحيل وغير ذلك هي إجراءات مؤقته فرضتها الظروف الحالية ستزول بزوال الظروف التي أدت الي إتخاذها
*- د محمد علي السقاف – أستاذ قانون دولي سابق السوربون
بريطانيا ٣٠ مايو ٢٠١٦