تقرير خبري عن فعالية لايبزيغ : المشهد الأدبي الحديث في جنوب اليمن

2018-06-25 23:15
تقرير خبري عن فعالية لايبزيغ : المشهد الأدبي الحديث في جنوب اليمن
شبوه برس - خاص - لايبزج ألمانيا

 

نظّم معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة لايبزيغ الألمانية وبالتعاون مع منتدى محمد علي لقمان للدراسات-أوروبا محاضرة علمية جاءت تحت عنوان "المشهد الأدبي الحديث في جنوب اليمن: التحولات التاريخية والواقع المعاصر" قدّمها الدكتور سعيد الجريري أستاذ النقد الأدبي في جامعة حضرموت.

في البداية قام البروفيسور إكهارد شولتس أستاذ علوم اللغة العربية والترجمة ورئيس قسمها في المعهد، وصاحب العديد من المؤلفات القيمة حول اللغة العربية والثقافة العربية بشكلٍ عام، بالترحيب بالمُحاضر والحضور، وأعرب عن سعادته باستضافة المعهد لهذه المحاضرة العلمية.

من جانبها قامت الباحثة الألمانية أميرة أوجستين بتقديم نبذة مختصرة عن المُحاضر، ولمحة شاملة عن طبيعة المحاضرة، وموضوعها، مشيرة إلى أنها تطمح إلى تعريف الباحثين الألمان بتجارب إبداعية تنتمي إلى مناطق جغرافية ما زالت تقع على هامش خارطة الأدب والثقافة العربية، ولم تحظ بما تستحقه من الاهتمام الإعلامي والبحثي.

بينما بدأ الدكتور سعيد سالم الجريري محاضرته بالإشارة إلى أهم تحولين طرئا على التجارب الإبداعية على امتداد العالم العربي كله في العصر الحديث، بمختلف أجناسه وأشكاله الأدبية، وقد تمثل الأول في التحول من الحكاية الشفاهية إلى كتابة الحكاية، بينما تمثّل التحول الثاني في مغادرة النصوص العربية مضارب الفحولة إلى حدائق الأنوثة، لتصبح تلك المغادرة حركة في مسار التأنيث، وانحساراً في مضايق التفحيل شعرياً، ومثلت تحريراً للذات المبدعة.

وبالنسبة لموضوع المحاضرة، فقد قسم الدكتور سعيد المشهد الأدبي في جنوب اليمن وتحولاته التاريخية إلى أربع مراحل: مرحلة التأسيس والريادة في الحقبة الاستعمارية حتى العام 1967، مرحلة الاستقلال الوطني والاتجاه الاشتراكي (1967-1990)، مرحلة التراجع والنكوص (1994-2011)، مرحلة ما بعد 2011 التي شهدت تغيّرات وتحولات كثيرة في المشهد المحلي والإقليمي.

في المرحلة الأولى، حدد المحاضر العام 1927 باعتباره التاريخ الذي شهد أول ريادة روائية على مستوى منطقة شبه الجزيرة العربية، بالتوازي مع الريادات الروائية في كل من مصر وبلاد الشام والعراق وغيرها، إذ أصدر الأديب أحمد عبد الله السقاف روايته العربية الأولى "فتاة قاروت" في أندونيسيا حيث تشكلت حركة أدبية وثقافية عربية مهجرية في الأرخبيل الهندي، لها صحافتها وأنديتها ورموزها الأدبية والثقافية. ثم تبعه المحامي محمد علي لقمان بإصدار روايته الأولى "سعيد" في عدن عام 1939 وكان رائداً مؤسساً في مجال الصحافة والأندية الأدبية والثقافية أيضاً.

بينما شهد عقد الثلاثينيات من القرن العشرين ريادتين أخريين أولاهما ريادة رومانسية على مستوى منطقة شبه الجزيرة العربية، إذ كان الشاعر صالح الحامد وزميل دراسته في حضرموت علي أحمد باكثير الوحيدين اللذين يسهمان بنصوصهما الشعرية في مجلة الرومانسية العربية التي أصدرتها جماعة أبولو في القاهرة عام 1932، ثم صدور ديوان "ليالي المصيف" 1936 لصالح الحامد بتقديم الشاعر الرومانسي المصري أحمد رامي.

 

أما الريادة الشعرية الأخرى فكانت على مستوى العالم العربي، وترجع إلى علي أحمد باكثير حيث سجل أول تجربة تحول في مجرى نهر القصيدة العربية، بترجمته عام 1936 فصلاً من مسرحية روميو وجولييت لشكسبير بطريقة الشعر الحر، ثم أتبعها بتأليف مسرحية شعرية هي"إخناتون ونفرتيتي"1938 مؤكداً وعيه بذلك التجريب الذي تنسب الريادة فيه إلى العراقيين بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، بحسب ما قاله الجريري، وأشار إلى أن هناك ريادة تاريخية لجنوب شبه الجزيرة العربية على مستوى الشعر العربي الجاهلي كان بطلها الشاعر الشهير أمرؤ القيس.

 

أما القصة القصيرة وظهور تجارب جديدة في كتابتها بشكلها المعاصر فيربطها الدكتور الجريري بفترة توفر المطبعة وازدهار الصحافة وتشكل المجتمع المديني في عدن، بملامحه البارزة في التعليم الحديث والأندية الأدبية والندوات الموسيقية ، كقصة "سعيد المدرس" لمحمد سعيد مسواط، ثم صدور المجموعة القصصية الأولى "الإنذار الممزق" 1960 لأحمد محفوظ عمر الذي يعد رائداً في هذا الفن على مستوى منطقة شبه الجزيرة العربية. ولأسباب موضوعية تأخر نسبياً إصدار مجموعات قصصية نسوية، لكن المرأة في عدن والمكلا لم تكن غائبة فهناك كاتبات في الصحافة منذ مطلع الستينيات، كالأديبتين سلامة عبدالقادر بامطرف وشفيقة زوقري.

 

في المرحلة الثانية، يُشير الدكتور سعيد الجريري إلى أن هناك قطيعة حدثت مع ما تم من تراكم ثقافي، تمثلت في إعلاء الثقافة الاشتراكية والاتجاه الواقعي في الأدب، سواء في الشعر أو القصة القصيرة أو الرواية، لكن في الجانب المقابل – بحسب رأيه - تم التخفف من ضغوط الثقافة التقليدية، والتمرد على القيود الاجتماعية، وتجريب الأشكال التعبيرية المختلفة. وشهدت هذه المرحلة ازدهاراً لفن القصة القصيرة وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، إذ كانت الصحافة على الرغم من واحدية توجهها الفكري تعنى بالمستوى الفني والجمالي، بالتوازي مع ما أحدثه من أثر إيجابي تأسيس كليات الآداب وتأثير اتحاد الأدباء والمثقفين اليساريين والأساتذة العرب والأجانب في تشكيل الوعي الجديد باتجاه الحداثة الأدبية، مشيراً إلى عدد من أهم التجارب الإبداعية البارزة في كل مجال.

يُحدد المحاضر المرحلة الثالثة بفترة ما بعد الحرب الأهلية (1994)، وقد سلط الضوء على التراجع الذي ظهر جلياً في المشهد الأدبي الجنوبي، وأرجع أسبابه إلى أن عدن والمكلا ـ حواضر الجنوب ومستقر موارده الإبداعية – لم تعدا سوى هامشين مهمشين، فانكفأ على إثر ذلك بعض الأدباء على ذواتهم، أو اتجهوا إلى كتابة المقالة السياسية، في ظل الهامش المتاح ببعض الصحف المحلية. لكنه يستدرك بأن هناك قلة ظلوا يشتغلون على تجاربهم في ظروف قاسية، فرفدوا تجاربهم بأعمال قصصية أو روائية جديدة، ليظهر جيل من الأدباء الشبان يُسائل اللحظة سردياً أو شعرياً ويبحث عن ذاته الإبداعية كشكل من أشكال مقاومة الهيمنة والتهميش اللذين طالا الحياة العامة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً.

 

بمصاحبة التغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم العربي بعد العام 2011، كانت ملامح المرحلة الأخيرة تتشكل بقوة كما أوضح الدكتور الجريري، وقد أرجع انبعاث النزوع الجديد بعد تجربة مريرة انزوى فيها المشهد الأدبي الحديث في الجنوب من فضاء الريادة إلى أقبية التهميش إلى حالة التململ الشديدة التي استمرت سنوات طويلة، مشيراً إلى أن جيل الشباب بات يُعيد تشكيل ذاته وتنظيم طاقاته في أندية ثقافية ومجلات أدبية تستثمر ما في الفضاء الإلكتروني من إمكانيات متاحة نحو بعث انطلاقة جديدة.

المحاضرة التي أقيمت في معهد الدراسات الشرقية بجامعة لايبزيغ، وهو واحدٌ من أعرق وأهم المعاهد التي تُعنى بدراسة علوم اللغة العربية وثقافتها على مستوى أوروبا ككل والمركز الوحيد المُعتمد للترجمة الفورية من العربية إلى الألمانية في ألمانيا، حضرها طيفٌ من الباحثين والمهتمين الذين أثروها بالنقاش.

 

الأدب-في-جنوب-اليمن-طريق-متعرج-نحو-الهامش