تم تجريب إحتواء غضب وتهديدات الحوثي بمنحه المزيد من الهبات والعطايا والتنازلات ، ولم يتم تجريب مواجهة عدوانيته بادوات ضغط مماثلة .
الأول -التهديد الحوثي- يفتح على مزيد من المطالب ، كلما هظم تنازلاً إبتكر حجة لإستدعاء مطلباً آخر، فيما المواجهة ستوقف سياسة الإسترضاء وتحد منه بذات اللغة لغة القوة والمغالبة.
يخوض الحوثي معركته من موقع المبادر الذي يحدد سقف المطالب ، وشروط الإنخراط من قبله بتفاهمات ثنائية سعودية، وفواتير الإستجابة التي يتم تحصيلها أثناء وبعد كل جولة مباحثات سرية ومعلنة.
في رقعة المواجهة ليس هناك من طرف يواجه حزمة الإبتزاز الحوثي ، بمشروع حقيقي للتحرير أو على الأقل التلويح به ، وتحويل لعبة الإستنزاف من أحادية إلى ثنائية مشتركة ، يتقاسم كلفتها المدمرة الطرفان ما يفرض الحد من إعادة إنتاجها ثانية.
والحال هكذا لاشيء سيدفع الحوثي لأبداء بعض المرونة، وهو في وضع مستقر وأركان دولته تتعزز ومطالبه تتحقق تباعاً، من فتح الموانئ والمطارات ورفع أرقام تدفقات سفن الوقود، وتأمين مصادر دخل آخذه بالتعاظم إلى تقاسم كل عوائد الإقتصاد ، بما يلبي ليس حظه الوجودي في رقعته ومناطق سيطرته، بل والتمدد في كل إتجاه.
خطاب الشرعية مُستنزف من داخله وهو الذي لم يخض ضد الحوثي معركة جدية واحدة ، كل حروبه تنتهي بصفقات تنازل وإنسحابات وتسليم مناطق ، لم يبق معه سوى حصر معركته في مناشدات مذلة للمجتمع الدولي ، لوقف طيش الحوثي وإستجداء سُبل الضغط عليه ،لفك حصار موانئ وحقول النفط وغيرها ، ووقف تهديد مابقي للشرعية من موارد ضئيلة.
في موضوعي الحرب والسياسية تترابط الأشياء ويدعم أحدهما الآخر ، فمن يتخلى عن موضوعة التحرير في الميدان يسقط على طاولة التفاوض ، والشرعية خسرت الإثنين معاً ، بل ذهبت عبر الجناح الإخواني المسيطر على قرارها ومفاصل حركتها ، إلى إعادة صياغة توليفة تسِّوق الحوثي من عدو إلى حليف محتمل وحدوي التوجه ضد إنتقالي إنفصالي السياسة.
من غير تجريب مقاربة جديدة تتحد فيها الجهود وتُجمّد الخلافات ، تعيد الإعتبار لخطاب إستعادة الدولة وإنهاء الإنقلاب ،لا شيء سيتغير على الأرض ،بما في ذلك الانفتاح الإمريكي الاخير على طهران ،وزيارة وزير خارجية السعودية لعاصمة ايران غداً السبت، وتطبيع العلاقات بين العاصمتين الإقليميتين، فطهران وصنعاء تنسق جهودهما بما لا يضر كثيراً بمصالحهما، وإن قدما قليل تنازل لجهة ضمان أمن حدود السعودية ، مقابل إطلاق يد الحوثي في حسم الصراعات الداخلية بعد تحييد قوة التحالف.
هل يمكن وقف إختراق قوة الحوثي بقوة مماثلة، والإنتقال من وضع المناشدة للجم جموح طرفه، إلى صراع متكافئ يجعل من وقفه مصلحة دولية؟.
ليس هناك مايوحي من أن توجهاً للسلطة الشرعية مطروحاً على طاولة البحث ، أو تجريب فرص عقلنة المعادلة المختلة، والإنتقال بها عبر سياسة الردع المتبادل ، من قوة أحادية محتكرة من صنعاء ، الى قوة ثنائية موزعة بين المتحاربين والأطراف المتعددة.
الحُديدة مصدر قوة الحوثي الإقتصادية ، مُنحت له هبة مجانية بلا التزامات أو إستحقاقات مقابلة ، وبتجفيف هذا المورد، يمكن إنتاج تسوية تعتمد على تبادل الأوراق ومقايضة التنازلات ، ما يقود الى تحرير القرار الشرعي من حالة الوهن والتردد، وسياسة التوهان في حلقة التردي واللاموقف.
إذا كانت الحديدة مصدر قوته وشريان حياة آلته العسكرية، فهي أيضاً مصدر ضعفه ، تحريرها أقل كُلفة ونتائجها على مجموع التسوية أكثر نفعاً ودفعاً إلى أمام الحل، بما في ذلك إختراق صنعاء نفسها.
من غير إستعادة القرار ووقف إختطاف الجيش من قبل الإخوان والتحديد بصرامة تراتبية الصراع حيث يحتل راس هرمه الحوثي ، ومأسسة القوات المسلحة مهنياً ، وإستثمار القوة الجنوبية في موضوع التحرير ودعم الشمال ، سيبقى الحوثي صاحب اليد الطولى واللغة الواحدة المهيمنة.
*- خالد سلمان
.