الصراع التاريخي على الجنوب العربي

2023-10-10 18:44

 

لقد وهب الله اليمن اوما كانت تعرف تاريخيآ بالعربية السعيدة او "الجنوب العربي" خيرات ونعم كثيرة لا تحصى وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم بقوله تعالى (بلدة طيبة ورب غفور) (15) سورة سبأ ،حيث كانت الجنات على يمين وشمال الوادي وخاصة في سبأ ،وأنشأوا السدود والمعابد والقصور وكانت المرأة اذا خرجت من بيتها تعود وقد امتلأ مكتلها بالثمار والفواكه اثناء سيرها في الطريق ولكنهم كفروا بنعم الله وارسل عليهم سيل العرم فدمر السدود والجنات ووصل السيل الى شبوة عاصمة مملكة حضرموت على بعد96 ميلا . لقد نشأت الحضارات في رملة السبعتين التي تمتد من مارب الى شبوة بحضرموت حتى تخوم الربع الخالي وكانت ممالك معين-  سبأ- شبوة -اوسان- حمير- قتبان - تسيطر على تجارة العالم القديم وتقوم بنقل التجارة برا بواسطة القوافل قبل اكتشاف الرجاء الصالح وحفر قناة السويس بقرون عديدة وكانت تلك الممالك تتنافس فيما بينها وتنقل تجارة الهند والصين والمنتوجات المحلية مثل : الطيب والتوابل والنسيج والاحجار الكريمة والمعادن كالذهب والفضة من ميناء قنا في  بير علي وميناء عدن عبر طريقين بينهما حوالي160 ميلا يتجه الاول شرقا على امتداد وادي ميفعة ومنه الى شبوة ويتجه الفرع الثاني الى نجران ثم شمالا الى وادي الدواسر ويمر بالأفلاج  ثم اليمامة الخرج حيث يتفرع الى فرعين :الاول يتجه شرقا نحو الخليج العربي والثاني يتجه شمالا نحو بلاد الشام والطريق الآخر يبدأ من الركن الغربي لشبه الجزيرة العربية حيث ممالك سبأ و معين وحمير وأوسان وقتبان ويتجه شمالا حتى العلا ثم الى مدين البدع حاليا ثم الى ايله ميناء العقبة الحالي ثم الى البتراء ويتفرع منها الى طريقين: الاول الى تدمر شمالا بسوريا والثاني الى غزة بفلسطين وعلى هذا الطريق كانت تسير قوافل قريش في رحلتيها المشهورتين في الشتاء والصيف والطريق الثالث من حضرموت وعمان يبرين اليمامة الشام اما الطريق الرابع يخترق الجزيرة العربية شمالا ويبدا من مكة -  وادي الرافدين .

 

مملكة أوسان:

تقع مملكة أوسان على وادي مرخه وعاصمتها (هجر يهر)وقد كانت موجودة منذ القرن العاشر قبل الميلاد حسب الدراسات التاريخية وأمتد نفوذها الى الساحل الأفريقي وافريقيا والهند وامتدت الى المعافر والى البحر الأحمر غربآ وجميع أودية المشرق بين البحر والصحراء وهي : ميفعه، حبان ،جردان ، يشبم، رملة السبعتين ،والسهول الجنوبية في لحج وأبين، ودثينه ،والمرتفعات الوسطى في يافع ،او ما كان يعرف بسرو حمير، وسرو مذحج، الى وادي الجوف ،ونجران، وقد احتكرت التجارة الداخلية على الساحلين اليمني والأفريقي ،  وبسيطرة أوسان على التجارة حققوا إزدهارآ  ملحوظآ وسيطروا على تجارة البهارات والأعشاب عبر البحر الأحمر و شبه جزيرة سيناء وتعاملوا مع الإغريق واحتفظوا بأسرار الرياح في البحر الأحمر مما دفع ملوك أوسان في القرن الثامن قبل الميلاد الى توسيع نفوذهم في قتبان وحضرموت،  ولم يكن امام سبأ إلا الاهتمام بالطرق البرية والزراعة ، وما يؤكد أن الصراع التاريخي في اليمن هو تعدد الممالك  في اليمن وفي الجنوب خصوصا حيث حدث  في القرن السابع قبل الميلاد أن  تعرضت أوسان لثمان حملات كاسحة من القوات السبأية بقيادة كرب ايل وتر حيث تمكن من قتل ملكها مرتوم اومرتع ووزعت اراضيها بين مملكة سبأ وحلفائها القتبانيين والحضارم.

وقد ورد في نقش النصر الكبير الذي وجد في معبد (المقه الكبير)على بعد 40 كيلو مترا من مأرب أن الملك كرب ايل وتر ملك سبأ قد جهز حملات حربية على الجنوب العربي وذكر النقش ان المذكور ضرب (وسر) ضربة نكراء واستولى على كل مناطقها الى ان بلغ أرض أوسان (مرخه) حاليآ في عهد ملكها مرتع اومرتوم وأمر كرب ايل وتر جنوده أن يعملوا السيف في رقاب أهلها فقتل منهم (16000)ستة عشر الفآ وأسر (40000)اربعين الفآ،وأحرق مدن حبان ،يشبم ،وذييب ،وجردان ،ونهب أوديتها ،كما هاجم دثينه وأحرق مدنها . ثم هاجم دهسم وتبنى (لحج) حاليآ وبلغ عدد قتلاهم (2000)الفين واسراهم (5000) خمسة آلاف كما هاجم باقي السكان في مناطق الجنوب وأعمل فيهم السيف. وقد كان الهدف من حملات كرب ايل وتر  على الممالك الجنوبية ومنها اوسان هو منافستها لسبأ على التجارة وانتاج المر واللبان والصندل ،وقد تحالفت مع كرب ايل وتر بعض الممالك الجنوبية مثل قتبان وحضرموت ،وبعد أن استقلت قتبان في فترة لاحقة عن سبأ تمكنت بالتحالف مع حضرموت من تدمير عاصمة قتبان (تمنع) تدميرا كاملا، ومما سبق نستخلص دروسآ  كثيرة :

يمكن ان تتبينوها بأنفسكم من خلال القراءة التاريخية  المتأنية يكشف لنا التاريخ أن الصراع منذ فجر التاريخ  بين الممالك اليمنية والممالك الجنوبية هو صراع هوية وضم وإلحاق وتوسع وهيمنة  أكثر منه صراع مصالح  ولا شك ان العقلية السبأية مازالت مسيطرة ومتجذرة  وتحكم جيناتها وأطماعها  اليمن الى اليوم ومن الغريب والعجيب ان بعض الباحثين يثنون على كرب ايل وتر وحملاته الحربية الدموية ويصفونها بأنها من اجل وحدة اليمن !!!

ونحن نقول: عجبآ هل سمعتم بمثل هذا التدليس والتزوير في التاريخ؟؟؟

د . علوي عمر بن فريد