الأمن: مفتاح الحل.. ومسمار جُحا

2025-06-03 20:22

 

في المجتمعات السوية، يكون الأمن هو الأساس. لا استقرار دون أمن، ولا تنمية ولا تعليم ولا اقتصاد ولا عدالة تُبنى فوق أرض ترتجف بالخوف أو تنام على القلق. فالأمن ليس مجرد وجود رجال يحملون السلاح، بل هو شعور داخلي يغمر الإنسان حين يدرك أنه محمي في بيته، محترم في عمله، آمن في كلمته، مصون في كرامته.

 

الأمن الحقيقي لا يُقاس بعدد النقاط العسكرية، بل يُقاس بدرجة الطمأنينة في قلب المواطن البسيط. حين يوقن الفرد أن القانون يحميه، لا يُستخدم ضده، وأن المؤسسات أنشئت لتخدمه، لا لتتفرج على وجعه.

 

لكن المفارقة المؤلمة أن الأمن الذي يجب أن يكون "مفتاح الحل" قد يتحوّل، حين يُستغل أو يُحتكر أو يُسخّر لصالح قلة، إلى "مسمار جُحا". يُغرس في جدار المجتمع، وتُعلّق عليه كل المبررات للخرق، والتجاوز، وحتى القمع.

 

في مثل هذه البيئات، لا يُناقش الفساد، لأن "الوضع الأمني لا يسمح"، ولا يُحاسب المتسلّط، لأن "المصلحة الأمنية تقتضي الصمت"، ولا تُصلح الإدارة، لأن "الوقت ليس مناسبًا". يتحول الأمن إلى لافتة كبرى، تُعلّق عليها كل الأعذار، ويُخرس بها كل من يحلم بتغيير أو يطلب حقًا.

 

ومن هنا تتداخل المأساة المهنية مع المأساة المجتمعية.

 

في مهنة المحاماة، ترتبط المهنة وسلوكياتها ارتباطًا مباشرًا بالأداء والإجراءات وتنفيذها من قِبل رجال إنفاذ القانون. العدالة لا تتحقق دون منظومة متماسكة تحترم القانون، وتحفظ المساواة، وتصون الكرامة. فالمحاماة ليست حرفة تُؤدى على الورق، بل رسالة أخلاقية، تتجسد في الدفاع عن المظلوم، وإعلاء شأن القانون دون انتقاص أو تحيز.

 

العدالة لا تحتاج إلى صليب أو هلال حتى يطمئن المظلوم أن حقوقه لن تُهدر وكرامته لن تُهان. بل تحتاج إلى بيئة قانونية حقيقية، يُعامل فيها الجميع على قدم المساواة.

 

لقد رسّخنا في المجلس الانتقالي الجنوبي هذه المبادئ، من خلال مخرجات اللقاء التشاوري الأول للحوار الوطني الجنوبي، التي تمثلت في ميثاق وطني جامع، وضع كرامة الإنسان في مقدمة أولوياته، ونص على الالتزام بالعدالة، وحماية الحقوق، وتكريس مبادئ الشفافية والنزاهة.

 

لم نتخلّ عن مسؤولياتنا يومًا، ولم نكن في موقع المتفرج أو المتردد. شاركنا في مسار البناء الوطني بكامل قناعاتنا، وتوجهنا إليه بقلوبنا قبل عقولنا. وسنظل أوفياء لتلك المبادئ، لأنها ليست شعارات عابرة، بل قيم. والقيم، حين تُهدر، لا يبقى بعدها شيء يُبنى عليه.