بين التنظيم والاستياء: قرارات المجلس الانتقالي وتحريك المياه الراكدة

2025-07-27 07:06
بين التنظيم والاستياء: قرارات المجلس الانتقالي وتحريك المياه الراكدة
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- شبوة برس - جسار فاروق مكاوي المحامي

تمرّ المجتمعات في لحظات التحول السياسي بمرحلة حساسة يتشابك فيها الطموح بالإصلاح مع تعقيدات الواقع وتراكمات الماضي، ويبدو هذا المشهد أكثر وضوحًا في الجنوب، حيث يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي لترسيخ بنيته التنظيمية وتفعيل مؤسساته وهيئاته في ظل واقع مشحون بالتحديات والانقسامات. القرارات التنظيمية الأخيرة التي أصدرها المجلس – سواء ما تعلّق بإعادة هيكلة بعض الهيئات أو تعيين قيادات جديدة – لم تمر مرور الكرام، بل لاقت تباينات في ردود الفعل، تراوحت بين التأييد الحذر والاعتراض الصريح، بل وامتدت إلى أولئك الذين ما زالوا غير متقبلين لوجود المجلس الانتقالي ككيان سياسي ممثل لطموحات الجنوبيين.

 

البعض رأى أن بعض القطاعات والهيئات بحاجة إلى تجديد دمائها بأكاديميين أو أصحاب خبرات تخصصية عالية، وهو مطلب مشروع وضروري في أي بناء مؤسسي حديث. غير أن النظرة إلى هذا المطلب لا ينبغي أن تكون منزوعة عن سياقها السياسي والاجتماعي؛ فالمجلس، بما يحمله من أعباء سياسية وتاريخية، يتعامل مع مشهد شديد التعقيد، تُفرض فيه حسابات الميدان والولاء والانتماء النضالي، جنبًا إلى جنب مع الحاجة إلى الكفاءة والمهنية. لا شك أن كثيرًا من الملاحظات التي أُبديت تستحق أن تُؤخذ بعين الاعتبار، غير أن ذلك لا يجب أن يتحوّل إلى معول هدم يستهدف بنية المجلس من الداخل. فالأصل في أي عملية تنظيمية هو التقييم والتقويم، لا الإقصاء والتشكيك. ومن الواجب على الجميع – مؤيدين ومعترضين – أن يتعاملوا مع هذه القرارات من منطلق الحرص لا التربص، ومن زاوية البناء لا الهدم. إن تحريك المياه الراكدة ليس ترفًا سياسيًا، بل هو فعل مسؤول تفرضه متطلبات المرحلة. الجمود التنظيمي يقتل الروح المؤسسية، ويضعف فاعلية الأداء، ويترك مساحات فارغة تُملأ بالتذمر والتشكيك والإحباط. والمجلس الانتقالي، حين يتحرك بهذا الاتجاه، يدرك أنه لن يرضي الجميع، ولكنه – في الوقت نفسه – يُراهن على أن مسار التصحيح خيرٌ من الركون إلى مجاملة الواقع.

 

وعلينا أن نُدرك أن المؤسسة ليست وقفًا على الأسماء، بل على المبادئ التي تنهض بها، والبرامج التي تنفذها، والمسؤولية التي تتحملها أمام الناس والتاريخ. فإن كان هناك من نقد، فليكن بنّاءً، وإن كانت هناك اعتراضات، فلتُطرح في إطار الحوار المسؤول. لأن الجنوب لا يحتمل مزيدًا من التصدع، ولا يحتاج إلى مزايدات شعاراتية، بل إلى نضج سياسي يعترف بحق الاختلاف دون أن يُهدر قيمة الانتماء للمشروع الوطني الجنوبي.

 

في النهاية، تظل العبرة ليست بمن يعارض أو يؤيد، بل بما تُفضي إليه هذه القرارات من أثر ملموس على الأرض، وبما تُحدثه من تصحيح للمسار وتعزيز للفاعلية وحسن الأداء. فالدولة لا تُبنى إلا بالمراجعة، ولا تُحرس إلا بالنقد المسؤول، ولا تتقدم إلا بالمشاركة الواسعة لا الاحتكار الضيق.