لماذا الشعب المصري خصم وعدو لنظام الجولاني؟

2025-10-06 17:35

 

بعيداً عن العلاقات التاريخية والعاطفية بين الشعبين المصري والسوري، توجد أسباب متعددة وعقبات حقيقية تجعل الشعب المصري ينظر إلى النظام السوري الحالي بريبة وعداء، ويراه خصماً غير شريف أو عدواً صريحاً.

 

ويمكن تلخيص أسباب هذا العداء في النقاط التالية:

 

أولاً: طبيعة النظام السياسي المصري الحالي

فمصر الحالية - حكومة وشعباً - هي نتاج ثورة 30 يونيو 2013 التي أنهت حكم الجماعات الدينية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين. وبما أن نظام الجولاني ينتمي إلى التوجه الديني الطائفي، فهو يُمثل نقيضاً للثورة المصرية ولنظام الحكم الحالي، كما يتعارض مع الثقافة المصرية التي ترفض الجماعات المتطرفة ولا تثق في أي منتجات فكرية أو سياسية لها.

 

ثانياً: الهوية العلمانية الراسخة في مصر

تعتبر مصر من أقدم دول الشرق الأوسط تطبيقاً للعلمانية سلوكاً وثقافة منذ ما يقرب من 170 عاماً. وقد ترسخت هذه العلمانية في الثقافة المصرية، حتى وإن أصبح مصطلح "العلمانية" مكروهاً بسبب الدعاية الوهابية والسلفية في الآونة الأخيرة. فالمصريون عموماً يفصلون بين دور الإمام في المسجد ودوره في الدولة، ويرون أن رجل الدين يمكن أن يكون داعية للأخلاق لكنه لا يصلح حاكماً، مؤمنين بأن "الدين لله والوطن للجميع".

 

ويرجع تاريخ العلمانية في مصر إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما ألغت الدولة العثمانية قوانين الشريعة وبدأت ما يُعرف بقوانين "الخط الهمايوني"، التي التزمت بها مصر وأدت إلى إلغاء الجزية وإنهاء التمييز بين المواطنين على أساس الدين في معظم مناحي الحياة.

 

ثالثاً: التنوع الديني والمذهبي في مصر

تحتوي مصر على أكبر نسبة من المسيحيين في الشرق الأوسط، حيث يبلغ عددهم نحو 20 مليوناً، أي ما يعادل تقريباً عدد سكان سوريا. وهذا التنوع يجعل مصر دولة ذات تكافؤ عقائدي واجتماعي، ويحرص كل حاكم على المساواة بين المسلم والمسيحي لكسب العاطفة الشعبية.

 

ويتمتع المسيحيون المصريون بثقافة علمانية واضحة، وهم نشطون في مواجهة الدعاية السلفية والإخوانية المتطرفة. كما أن لهم حضوراً مؤثراً في الإعلام البديل، إلى جانب ملايين المصريين من أتباع المذاهب الصوفية والاتجاهات الحداثية التي تؤمن بالدولة المدنية والمساواة بين المواطنين وحقوق الإنسان.

 

رابعاً: تجربة حكم الإخوان المسلمين الفاشلة

خلّفت تجربة الإخوان في حكم مصر ذكريات مؤلمة لدى المصريين، من التطرف والخرافة في ميداني رابعة والنهضة. وقد جعلت هذه التجربة المصريين يحملون صورة سلبية عن أي نموذج لحكم الجماعات الدينية، ويستحضرون كوارثها العقلية والاقتصادية والسياسية. وعندما يعلن الجولاني عن نفسه كنظام ديني، فإن المصريين يتذكرون فشل الإخوان والقاعدة في تحويل مصر إلى نموذج "ولاية الفقيه السنية".

 

شروط التقارب المحتمل

 

أما عن إمكانية تقارب نظام الجولاني مع مصر وشعبها، فهي ممكنة جداً في حال:

- التزمت القيادة السورية بإبقاء سوريا دولة مدنية حديثة لا تحكمها شريعة متطرفة.

- توقفت جميع أشكال القمع والإبادة والاضطهاد ضد الأقليات.

- انتهى التدنيس الطائفي للميليشيات الأجنبية.

- أُجريت انتخابات حقيقية تنافسية تمنح الشرعية للحكومة.

- توقفت جميع ميول التطبيع مع العدو الإسرائيلي والتنازل عن الأراضي السورية.

 

ليس مطلوباً من الجولاني ونظامه محاربة إسرائيل، بل فقط الحفاظ على الهوية السورية بحدودها وثقافتها وجغرافيتها ولغتها، والحفاظ على سوريا دولة موحدة تتسع لكل مواطنيها. عندها سيكتسب النظام ليس فقط عاطفة المصريين، بل العرب والعالم أجمع.