الجهل بالآخر قاد القيادة الجنوبية السابقة لخيانة الوطن

2025-10-31 18:35

 

 

كشف تسليم الجنوب العربي للطامع التاريخي فيه، دون قيد أو شرط، عن جهل القيادة السياسية الجنوبية السابقة ببديهيات السياسة التي تفترض معرفة الآخر، عدواً كان أو صديقاً، حتى لا تتورط في اتخاذ قرارات خاطئة قاتلة تندم عليها عندما لا ينفع الندم، كما حدث عندما اتخذت ما يسمى بـ“الجبهة القومية” قراراً باعتبار الجنوب العربي، وهو وطن قائم بذاته، جزءاً من اليمن، رغم رفض شعبه لذلك القرار ومقاومته لمحاولات جاره الشمالي ضمه إليه في مراحل مختلفة من تاريخه.

 

وترتب على قرار إعلان الجنوب “يمنًا جنوبياً” توقيع ثلاث اتفاقيات لتسليمه لمحتل آخر دون قيد أو شرط. وكان ينبغي قبل اتخاذ قرار يمننة الجنوب معرفة الآخر اليمني، الذي اعتبر نظام جنوب 1967م الجنوب شطره الآخر، وكيف يفكر، وثقافة مجتمعه، وتركيبته الاجتماعية والذهنية التي تسيطر على منظومة الحكم فيه، وعلاقة القبيلة بالدولة حيث تسود سلطتها وثقافتها.

 

لم يكن لقيادة الجنوب أن تفكر بمنطق “البيض” الساذج وأمثاله، ولاسيما في ما يسمى بالتيار اليساري الذي لا يفقه سوى أن السياسة تطبيق لأفكار مثالية دون النظر إلى الواقع المعقد الذي لا يوفر أرضية مناسبة لتلك الأفكار.

 

من هنا جاء عدم اكتراث نظام الثاني والعشرين من يونيو 1969م بمعرفة الآخر اليمني الذي ألحق به وطناً قائماً بذاته، معلناً ذلك على مرأى ومسمع من العالم طيلة ربع قرن تقريباً.

 

للأسف، كان لدينا لجنة مركزية ومكتب سياسي وهيئة سكرتارية، ولم يكن فيهم جنوبي رشيد يعرف شيئاً عن “السجن الكبير”، وهو الوصف الذي أطلقه عليه شاعر اليمن الثائر محمد محمود الزبيري في قصيدته “الخروج من اليمن السجن الكبير”. فكانت النتيجة أن وقعت قياداتنا السابقة ثلاث اتفاقيات لتسجننا فيه، كان آخرها اتفاقية البيض وعفاش في الذكرى الـ22 للاستقلال، ليسلم العبيط وطناً عبث به ورفاقه 23 عاماً.

 

وما لبث أن أدرك الحقيقة المرة، وهي أن الطرف الآخر اليمني لم يفكر بمنطقه الساذج، ولو أنه عرف ذلك قبل يومه المشؤوم في 22 مايو 1990م لما سلم بلداً لم يفوضه أحد من أهله بتسليمه لمحتل أخطر منه، لتحقيق وحدة مفترضة مع بلد جار كان يجهله ويجهل لؤم حكامه وأطماعهم التاريخية فيه.

 

وهانحن في الجنوب اليوم نستجدي استقلالاً أضاعه نظام مارس السياسة بحسن نية قروي يدخل مدينة غير فاضلة لأول مرة، فظن أنه كما فرّط في الجنوب بسهولة، يستطيع أن يستعيده بسهولة، فإذا به يُفاجأ بغزو عسكري لحماية الوحدة التي أصرّ عليها هو ونظام الحماقات التاريخية منذ أن ظهروا على الساحة السياسية الجنوبية نبتاً شيطانياً ضاراً.