يقف المحتل البريطاني خلف مؤامرتين استعماريتين خطيرتين في التاريخ الحديث، الأولى في فلسطين والثانية في الجنوب العربي. ففي فلسطين، نفذت عصابات "الهاجاناه" الصهيونية المخطط البريطاني، وهي منظمة عسكرية يهودية تأسست عام 1920 بحجة حماية اليهود من الهجمات العربية.
وفي عام 1948، أعلنت بريطانيا قيام دولة إسرائيل تنفيذًا لوعد بلفور الصادر عام 1917، الذي عبّر فيه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عن رغبة بلاده في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ولتتنصل من مسؤوليتها المباشرة عن الجريمة، أوعزت لندن إلى منظمة الهاجاناه بمهاجمة المدنيين البريطانيين في فلسطين، لتظهر بمظهر الطرف المحايد، فيما كانت تمهّد لقيام الدولة العبرية في مايو من نفس العام.
لم يكن دعم بريطانيا لليهود حبًا فيهم، بل رغبةً في خلق كيان استيطاني يشغل العرب ويهدد أمنهم القومي، بزعم أن أرض الميعاد تمتد من نهر مصر إلى الفرات، وفق الوعد التوراتي. وقد نفذت الهاجاناه هذا المخطط بجلب المستوطنين اليهود من شتى أنحاء العالم منذ تأسيسها وحتى اليوم.
المشترك بين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال اليمني للجنوب العربي هو أن مصدر المؤامرتين واحد: بريطانيا، التي كانت تحتل كلا الإقليمين. كما أن الاحتلالين يشتركان في الطبيعة الاستيطانية، إذ يزعم كل منهما أحقيته التاريخية بالأرض التي اغتصبها.
في فلسطين، سلّمت بريطانيا نصف الأرض للهاجاناه بعد أن أظهرتها بمظهر المقاومة، ثم استكملت إسرائيل احتلال ما تبقّى بعد 19 عامًا. أما في الجنوب العربي، فقد سلّمت بريطانيا الأرض لعصابة القومجيين الذين رفعوا شعارات التحرر بينما كانوا ينفذون مخطط "يمننة الجنوب" وتسليمه للاحتلال اليمني، مدّعين أنه جزء من أرض اليمن.
وبعد 28 عامًا من تأسيس "الهاجاناه" في فلسطين، قامت دولة إسرائيل. وبعد نحو 28 عامًا من تأسيس فرع حركة القوميين العرب في الجنوب عام 1959، سلّم آخر أفراد العصابة القومجية الجنوب العربي دون قيد أو شرط للاحتلال اليمني، في مشهد يعيد إنتاج المؤامرة البريطانية ذاتها، ولكن هذه المرة على أرض الجنوب المغدور به.