لم أكن أرغب في التوقف مرةً ثانية عند ما ورد في حديث الأخ اللواء محسن خصروف عبر لقائه المتلفز على "اليمن بودكاست"، لكن ما دفعني إلى العودة مرة أخرى لهذه المقابلة هو أولاً كون الحديث طويلاً ومتشعباً وشمل مرحلة تاريخية تمتد لحوالي قرن كامل من الزمن، وثانياً تعرضه في هذا اللقاء لقضايا وتقديمه لشهادات مهمة ربما تقال لأول مرة من قبل مسؤول سابق في الجيش اليمني، وبصورة معلنة وعبر وسائل الإعلام الجماهيرية، وأخيراً تجاهله لقضايا أو تعمده القفز عليها رغم إنها جزءٌ جوهريٌ من موضوع حديثه، والاكتفاء بتناول نتائجها مبتورة عن الأسباب والحيثيات والخلفيات السياسية والتاريخية، وسآتي على كل قضية على حدة.
لكنني هنا أبدأ بالتعبير عن عدم اتفاقي مع الكثير من الشتائم والإساءات ولغة الاتهام التي وردت من قبل بعض متابعي وأصدقاء صفحتي هذه في تعليقاتهم على منشوري السابق عن حديث الأخ محسن خصروف، وخصوصا فيما يتعلق بقوله "إن الإمام تنازل عن شبوة والضالع ويافع لبريطانيا وهي مناطق شمالية" والحقيقة إنني تعلمت منذ زمن مبكر من انشغالي بالكتابة السياسية والإعلامية أن أتحاشى الحديث عن الأشخاص وأن أتوقف عند أفكارهم وأطروحاتهم فقط.
• في الجزء الأخير من مقابلته تناول اللواء محسن خصروف قضية تشكيل ما سمي بــ"الجيش الوطني" وأبرز معلومات لم يسبقه إلى الحديث عنها أي مسؤول أو مصدر إعلامي (مسؤول) بقوله إن "لواء العبر" (الذي بوجهة نظره يمثل نواة الجيش الوطني) والذي تم تشكيلة من عدة مجموعات كانت تابعة لقادة معينين هم أصلا من الجيش السابق للرئيس علي عبد الله صالح ممن أعلنوا ولاءهم لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، قال اللواء خصروف أن هذا اللواء (الجيش) أصبح يشكل خطراً على الإمارات والسعودية مما دفع قوات التحالف (الإمارات والسعودية) إلى أن تقصفه وتقتل معظم أفراده مع قائده ومع كل أسلحته ومخازن تموينه العسكري والغذائي واللوجستي.
والحقيقة أنني لن أتوقف هنا عند هذه القضية مؤيداً أو مندداً، إلا من منطلق منطقية هذا الحديث من عدمها، إذا كيف لدولتي التحالف اللتان تواجهان الجماعة الحوثية وحليفها على عبد الله صالح بجيوشهم الجرارة ومليشياتهم الفتاكة التي تشكل خطراً فعلياً عليها (أي على دول التحالف العربي)، أن تقصف وتبيد اللواء الذي قامت هي بتشكيله وتمويله وتموينه وتدريبه وتأهيله، ثم ما هو الخطر الذي يمثله لواء حديث التشكيل لا يمتلك طيران ولا صواريخ حتى متوسطة المدى، ما هو الخطر الذي يمكن أن يشكله على دولتين تمتلكان جيشين من أقوى الجيوش في المنطقة وأحدثها تدريباً وتأهيلاً وتسلحياً؟
إنني هنا لا أتحدث نيابة عن دولتي التحالف لكنني أناقش منطقية هذا الحديث، وقابلية تصديقه من قبل أي إنسان ذي عقل سليم، لكنني في الحقيقة أتمنى على الأشقاء في دولتي التحالف أن يقولوا الحقيقة ليس فقط للسلطات الشرعية التي يدعمونها، ولكن لجماهير الشعبين اليمنيين في الشمال والجنوب ممن يكنون للدولتين الشقيقتين الاحترام والتقدير والعرفان.
• من ضمن ما تعرض له اللواء خصروف الانتصار في عدن والجنوب والذي تحدث عنه ليس من باب اعتباره هزيمةً تاريخيةً للمشروع الإيراني في المنطقة العربية كلها، ودليل على حجم التضحيات الجسيمة التي قدمها المقاومون الجنوبيون، بل باعتباره نتيجة مؤامرة إماراتية بقوله ما معناه أن "الجيش الوطني" (أي القوات الشمالية إذ لا وطني في اليمن إلا هذه القوات) مُنِعَ من تحقيق الانتصار على الجماعة الحوثية ومُنِع من التوجه صوب منطقة نقيل بن غيلان، ولو سُمِح له لأسقط صنعاء بدليل أن عدن تحررت في أسابيع (حسب قوله) حينما سمح لها التحالف بالانتصار.
يا للهول!! كم هي السطحية والتجويف الهائلين داخل هذا الــ(تحليل) العسكري والاستراتيجي الغريب، . . . الحقيقة إن المرء يشعر بالحزن والأسى حينما يقوم أحد كبار القادة العسكريين اليمنيين بتجاهل عنصر مهم من عناصر صناعة الانتصار وهو الإرادة والعزيمة والاستعداد للتضحية، بل والتضحية بآلاف الأرواح وأنهار الدماء في سبيل تحقيق الانتصار، هذه الإرادة والعزيمة وتلك التضحيات التي لم يقل عنها أخونا خصروف كلمةً واحدة بينما امتدح العديد من الأسماء التي سلمت مناطق مأرب وشرق محافظة صنعاء بما فيها فرضة نهم الاستراتيجية والبيضاء والجوف للجماعة الحوثية ولم يقل كلمة واحدة عن آلاف الشهداء الجنوبيين وعلى رأسهم اللواء علي ناصر هادي واللواء أحمد سيف اليافعي واللواء جعفر محمد سعد والعميد عمر الصبيحي والعميد أبو اليمامة وغيرهم ممن رووا تربة الجنوب بدمائهم وأرواحهم ليصنعوا النصر الذي لم يتناوله سعادة اللواء إلَّا كمؤامرة إماراتية.
• قد يكون اللواء خصروف محقاً إلى حدٍ ما، عندما قال أن أوباما هو من منع (الجيش الوطني حسب قوله) من اقتحام مدينة الحديدة لكنه، لم يتوقف عن سياسة خلط الأوراق وابتسار الحقائق، فالحديدة وجميع مديريات الساحل الغربي لم يكن لما يُدعى بـ"الجيش الوطني" أي حضور فيها ولا أثر في تحريرها، وإن تحريرها جاء على أيدي قوات المقاومتين التهامية والجنوبية وكان لقوات العمالقة الجنوبية الدور الأبرز والحاسم في الوصول إلى الكيلو ستعشر وإلى بوابات مطار الحديدة، وإذا كان المبعوث الدولي ومعه الضغوط الأمريكية والبريطانية هي من منعة تحرير الحديدة فإن القيادة الشمتاية قد كانت أكثر حماسا لبقاء الحوثي مهيمنا عليها فهو سيطيل زمن الاستثمار في الحرب، وهو (أي الحوثي) أهون على القيادات الشمالية من قوات العمالقة الجنوبية وحتى من قوات المقاومة التهامية.
• وحينما تحدث عن القوات العسكرية المكونة للشرعية تعرض لقوات طارق صالح وقوات المجلس الانتقالي والمنطقة العسكرية الخامسة والنخبة الحضرمية والمهرية والشبوانية (حسب حديثه) وتحدث بلغة الاتهام والاستنكار والاستهجان بأن المجلس الانتقالي هو من يرفض دمج القوات المسلحة في قوة واحدة تتبع وزارة الدفاع وتخضع لأوامر القائد الأعلى.
لن أتوقف عند الحديث عن قوات طارق صالح والمنطقة الخامسة ولا الثالثة، فالحديث عنها يطول ويتشعب وقد يستدعي وقفات مستقلة إزاء كل منها، لكن أخانا الذي يصور المجلس الانتقالي والقوات الجنوبية التي يعتبرها الكثيرون تابعة له (أي للمجلس الانتقالي الجنوبي) يصورها كعنصر مشاغب جاء ليعطل استعادة الجمهورية اليمنية من أيدي الحوثيين، وقال مستنكراً "إن المجلس الانتقالي يريد أن يفصل الجنوب عن الدولة اليمنية"، وطبعاً لم يفوت اللواء أن يتهم السعودية والإمارات بأنهما السبب في الحيلولة دون قيام جيش وطني موحد، دون أن يتعب نفسه في عناء البحث في الأسباب والخلفيات التي تقف وراء تنازع وتباين واختلاف وتناقض الأهداف الكامنة في إضبارة كل طرف من الأطراف المشاركة في الشرعية.
ولأنني لست معنياً بالاختلافات بين الإخوة الشماليين في مجلسي الرئاسة والوزراء فإنني أعود لتذكير أخانا محسن خصروف بالسبب الذي يجعل المجلس الانتقالي الجنوبي ومن ورائه ملايين الجنوبيين وبصحبتهم جميع التشكيلات العسكرية والأمنية الجنوبية تدعو لما أسماه بـ"فصل الجنوب عن الجمهورية اليمنية" وتبعاً لذلك رفض دمج القوات الجنوبية في الجيش الذي سلم أربع محافظات للحوثيين وجاء ليقاوم الجنوب والجنوبيين في قرن الكلاسي في العام 2019م ، إن كان قد نسي هذا..
يعرف الأخ محسن خصروف ومعه الآلاف من اليساريين الشماليين أن وحدة 22 مايو السلمية التشاركية والطوعية قد سقطت بحرب 1994م التي حولت الجنوب من شريك في الدولة اليمنية (المفترضة) إلى منطقة احتلال تحت سلطة تحالف 1994م التي انتصرت بالحرب على الجنوب، ولن أسترسل في استعراض تاريخ التصدي الجنوبي لنتائج الحرب ورفض الاحتلال ، لكنني أذكِّر اللواء خصروف ومعه كل الذين يصورون مقاومة الشعب الجنوبي لمشاريع الاحتلال والاستيطان ومواصلة هيمنة تحالف 7/7 على الجنوب، أذكِّرهم أن الشعب الجنوبي حينما خرج في العام 2007م متمرداً على نتائج الحرب لم يكن ينفذ مؤامرة لأي طرف من أصدقاء علي عبد الله صالح ونظامه حينها، وبالتالي فإن المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية ليست بدعةً ابتدعها المجلس الانتقالي الجنوبي، وليست عملاً شيطانياً مخابراتياً مؤامراتياً يدبر من الخارج وإنما هو ترجمة لإرادة الشعب الجنوبي، وعلى من يرغب في تحرير أرضه أن يفعل ما فعله الجنوبيون في العام 2015م، أي أن يقوي إرادته ويضاعف عزيمته ويقدم التضحيات المستحقة، وأن لا يتحجج بتأثير هذا الطرف الخارجي أو ذاك.
أما الاستمرار في الاستثمار في الحرب وعدم التحمس للحسم حتى لا يُحرَم تُجَّار الحروب من المليارات التي يحصدونها من خلال الحرب، ثم الهروب إلى الخارج والاستكانة والاستمتاع بالإقامة في أرقى المنتجعات والفنادق الفاخرة، فإنها لا تحرر وطناً ولا تهزم عدواً ولا تصنع نصراً مهما امتدح أصحابها المادحون ونافقهم المنافقون.
والله يعلم وأنتم لا تعلمون.