شهد الجنوب العربي في تاريخه الحديث مرحلتين فارقتين من الاحتلال..
الاحتلال البريطاني (1839م – 1967م)
الاحتلال اليمني الشمالي (منذ 1994م حتى اليوم)
ورغم أن الاحتلال مرفوض من حيث المبدأ أياً كان شكله أو هدفه، فإن مقارنة أثر التجربتين على الأرض، وعلى هوية الإنسان الجنوبي، تكشف عن فروقات جوهرية لا يمكن تجاهلها.
الاحتلال البريطاني:- استعمار ببعد مدني وتنموي
دخلت بريطانيا عدن عام 1839 بقوة السلاح، لكنها ما لبثت أن تحولت من قوة عسكرية إلى إدارة مدنية تنموية، سعت إلى بناء نظام إداري مستقر يخدم مصالحها من خلال تنظيم الحياة العامة في الجنوب..
تأسيس مؤسسات حديثة، من موانئ ومطارات ومستشفيات.
بناء جهاز إداري منضبط ونظام تعليمي منفتح وحديث.
ضمان بعض الحريات العامة، وفتح المجال أمام العمل السياسي والنقابي.
الحفاظ على النسيج الاجتماعي والهوية الجنوبية دون طمس أو إقصاء.
ورغم أن هدف الاستعمار البريطاني لم يكن (نزيها أو خالصاً لوجه الله)، فإنه ساهم ولو من موقع المصلحة في رسم ملامح أولية لدولة مدنية حديثة في الجنوب.
الاحتلال اليمني الشمالي:- قمع وهيمنة وتهميش شامل
في عام 1994م، انقلبت السلطة في صنعاء على اتفاقية الوحدة، وتحولت الحرب إلى وسيلة لفرض الهيمنة بالقوة على الجنوب. ومنذ ذلك الحين، لم يكن المشروع مشروع شراكة، بل مشروع نهب وإقصاء..
تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة الجنوبية وتسريح كفاءاتها.
عسكرة الحياة المدنية وتحويل الجنوب إلى ساحة صراع ونفوذ لأمراء الحرب.
نهب الثروات النفطية والبحرية وتهميش أبناء الجنوب من مواقع القرار.
قمع الحريات، واغتيال رموز وطنية جنوبية بارزة.
محو الهوية الجنوبية وتذويبها قسراً في مشروع وحدوي وهمي.
خلاصة المقارنة
الاستعمار البريطاني، رغم كونه استعمارا، حافظ على الحد الأدنى من البنية المدنية وسمح ببزوغ هوية جنوبية متميزة، بينما أدى الاحتلال اليمني إلى تدمير ممنهج للجنوب، وشلّ قدرته على النهوض لعقود، في ظل غياب مشروع وطني عادل يراعي خصوصية الجنوب وتاريخه وتضحياته..
الاستعمار، على فظاعته، لا يكون دائماً الأكثر تدميراً... فحين يأتي القمع باسم الأخوة، ويمارس النهب باسم الوحدة، يصبح الاحتلال من الداخل أكثر خطورة من الاحتلال الأجنبي..
الاحتلال الذي يبني مدرسة أهون بكثير من الشقيق الذي يهدم وطنك باسم الوحدة..!!
سلام الله على بريطانيا والتي لم تقطع معاشات الثوار الذين حاربوها!! وقبل ذلك وبعد ذلك نقول سلام الله على بريطانيا..
ويا للأسف!
تكاد جميع المحافظات الجنوبية تئن تحت وطأة الجوع والفقر والعوز والضياع بسبب هذا الاحتلال اليمني..
ومن هذا المنطلق، وظروف المرحلة الحساسة يجب أن نكون جميعنا انتقاليون، وعندما نحرر جنوبنا من هؤلاء الاوباش الاحتلال الشمالي اليمني، علينا أن نجلس ونتحاسب ونضع كل النقاط على الحروف،
ولكن المرحلة الراهنة يجب أن نكون جميعنا انتقاليون، باخطائهم وانكساراتهم...!!
ويبقي الجنوب كما عهدناه حراً أبياً شامخاً لا ينكسر..
✍️ ناصر العبيدي