في ظل تصاعد الأزمات المتلاحقة التي تضرب الجنوب، وانهيار شبه كلي لوظائف الحكومة اليمنية الشرعية في المحافظات المحررة، تتزايد المطالبات الشعبية والسياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي بتحمّل المسؤولية الكاملة وإدارة الجنوب كسلطة أمر واقع.
ومع ضعف الشرعية وغياب الدولة، لم يعد السؤال: هل يجب أن يحكم المجلس؟ بل أصبح: كيف يمكن أن يحكم فعليًا وبشكل مقنع وراسخ؟
حكومة عاجزة وفراغ إداري
منذ سنوات، لم تُقدم الحكومة الشرعية سوى الفشل والتدهور في الجنوب، حيث انهارت الخدمات الأساسية، وتدهورت المؤسسات، وتفشت الأزمات المالية والمعيشية، في ظل صمت دولي وتراخٍ داخلي. هذا الواقع فرض معادلة جديدة: السلطة لمن يُدير ويُنتج ويستجيب والصلاحيات تنتزع ولا توهب وهو ما يفتح الباب أمام المجلس الانتقالي ليمارس دوره كقيادة بديلة قائمة على الفعل، لا على الخطاب فقط.
ثلاثة خيارات أمام الانتقالي
أمام المجلس الانتقالي الجنوبي ثلاثة خيارات لفرض نفسه كسلطة بديلة للحكومة في الجنوب، دون إعلان قطيعة صدامية مع التحالف أو المجتمع الدولي:
الخيار الأول :
الإدارة الذاتية المؤسسية الموسّعة
يتجاوز هذا الخيار إعلان الإدارة الذاتية السابق الذي أعلن في إبريل 2020، ليتحول إلى بناء مؤسسي حقيقي على الأرض، يقوم على تفعيل حكومة ظل جنوبية متكاملة تدير الإيرادات، وتنفّذ خطط الخدمات، وتشرف على الأمن.
هذا الخيار لا يحتاج إلى اعتراف دولي، بل يعتمد على فرض الواقع وإقناع الناس عبر النتائج.
وهذا الخيار لا يصطدم خارجيًا، ويفرض أمرًا واقعًا داخليًا لكنه يتطلب كفاءة إدارية ومؤسسية عالية، ورقابة حقيقية.
الخيار الثاني:
التفويض الشعبي والشرعية الجنوبية البديلة
السلطة لا تُؤخذ فقط بالقوة، بل يمكن أن تُبنى بشرعية مجتمعية عميقة. من خلال انتخابات محلية جنوبية، أو تفعيل الميثاق الوطني الجنوبي الموقع بين المكونات الجنوبية وضم بقية المكونات لمنح الانتقالي تفويضًا شعبيًا كاملاً بإدارة الجنوب، يمكن للمجلس أن يُستبدل بشرعية بديلة عن شرعية الحكومة بالإضافة كونة جزء أساسي من الشرعية المعترف بها دولياً.
ويتميز هذا الخيار أنه يكسب المجلس شرعية سياسية وأخلاقية عميقة من الداخل والخارج لكنه يتطلب قبولًا سياسيًا من أطراف جنوبية أخرى، وقد يواجه اعتراضًا من الشرعية الشمالية والتحالف إذا لم يُدار بحكمة.
الخيار الثالث:
الشراكة المشروطة مع التحالف العربي
لا يمكن تجاهل الدور الإقليمي والمجلس هنا بحاجة إلى صياغة تفاهمات جديدة مع السعودية والإمارات، تقوم على أن الجنوب يُدار من قبله مقابل التزامات أمنية وسياسية واضحة، وبقاء المصالح الإقليمية محفوظة.
ويتميز هذا الخيار إنه يجنّب المجلس أي مواجهة مع التحالف ويحصل على دعم غير مباشر.
لكنه يحتاج إلى خطاب تفاوضي احترافي، وقدرة على إقناع الرياض خصوصًا.
الخيارات الثلاثة ليست متضادة، بل يمكن السير فيها بشكل متزامن ومتكامل، على مراحل. لكن الخطر الأكبر يكمن في الجمود السياسي والتردد، والذي قد يفرّغ الانتقالي من قوته الشعبية، ويُسلم الجنوب مجددًا للانهيار أو الاختراق.
إن نجاح المجلس الانتقالي في المرحلة القادمة لن يُقاس بخطاباته أو بياناته وعدد إجتماعاته بل بقدرته على بناء دولة جنوبية واقعية، تُدار بكفاءة، وتُحاسب، وتستجيب ومعالجة الأوضاع المعيشية الصعبة بالجنوب.
إذا فشل المجلس في التحوّل إلى سلطة مؤسسية، فلن يتردد الشارع في سحب تفويضه، وربما تُفتح أبواب البدائل الفوضوية أو حتى العنيفة.
المجلس الانتقالي اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة – وربما أخيرة – ليحوّل قضيته من مشروع سياسي إلى مشروع دولة.
والأرض في الجنوب لا تنتظر من يرفع صوته، بل من يمد يده للبناء.
هل يفعلها الانتقالي؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
عادل المدوري