قصة واقعية ومناشدة إنسانية
ليست هذه جملة من قصة خيالية، ولا مشهدًا من فيلم درامي، بل هي سؤال بريء خرج من فم طفل فلسطيني صغير، أنهكه الجوع، وأثقل قلبه الحصار.
في أحد أحياء غزة المنكوبة، وبين ركام البيوت المهدّمة، جلست أم تحتضن أبناءها الذين فقدوا المأوى والطعام والأمان. وبينما كانت تحاول إسكات أنين البطون الخاوية، سألها طفلها الصغير:
"ماما، هل يوجد في الجنة طعام؟"
نظرت إليه والدمعة تخنق صوتها، وأجابت:
"نعم يا حبيبي، في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت."
فردّ عليها الطفل ببراءة ممزوجة بالقهر:
"إذاً، أنا أدعو الله أن أموت، حتى أذهب إلى الجنة وأشبع."
أي قلوب لا تتحرك أمام هذا المشهد؟ أي ضمير لا يهتز حين يرى طفلاً يفضّل الموت على حياة الجوع والتشريد؟
إنها ليست مجرد قصة، بل جرح مفتوح في جسد أمتنا، وصرخة لا تزال تتردد في كل بيت فلسطيني يفتقر لأبسط مقومات الحياة.
من هنا، ومن وسط هذه المأساة، أرفع صوتي مناشدًا:
إلى من بقي في قلبه ذرة رحمة،
إلى أصحاب الضمائر الحية،
إلى منظمات حقوق الإنسان،
إلى الهيئات الدولية،
إلى كل من لا يزال يرى في الإنسانية قيمة...
نناشدكم بالله، وبكل معاني الرحمة، أن تقفوا مع هذا الشعب الجريح، أن تتحركوا لرفع الحصار، وكسر قيود الجوع، وإدخال الغذاء والدواء والماء والكساء.
أن تكونوا صوتًا لهؤلاء الأطفال، الذين باتت أمنيتهم وجبتهم الساخنة في دار الخلود، لا في الحياة التي وُلدوا فيها.
كفاكم صمتًا، فالصمت في وجه الجريمة تواطؤ.
وكفاكم ترددًا، فالدماء لا تنتظر اجتماعات المؤتمرات.
كونوا عونًا لمن انقطعت بهم السبل، واملؤوا الفراغ الذي تركته إنسانية غائبة.
إلى من بقي في قلبه ذرة رحمة،
إلى أصحاب الضمائر الحية،
إلى منظمات حقوق الإنسان،
إلى الهيئات الدولية،
إلى كل من ما زال يرى في الإنسانية قيمة لا تسقط بالتقادم…
إن ما يجري في فلسطين عمومًا، وفي غزة خصوصًا، لم يعد مجرد أخبار تُنقل عبر الشاشات، بل مأساة حية تنبض في كل بيت، وصرخة مكتومة في قلب كل طفل، وصوت أنين لا ينقطع في وجدان كل أم فقدت مأواها أو فلذات كبدها.
أي ضمير هذا الذي لا يهتز حين يسمع طفلاً صغيرًا يسأل أمه:
"هل يوجد في الجنة طعام؟"
أي قلوب هذه التي لا تدمع حين يسمع أحدهم طفلًا يتمنى الموت لا حبًا في الجنة، بل هربًا من الجوع؟
أي عالم هذا الذي يصم أذنيه عن صرخات الجوعى والمشردين تحت الحصار؟
لقد تجاوزت الكارثة كل حدود الصبر، وتخطت كل ما يمكن للعقل والوجدان أن يتحمله. أطفال بلا غذاء، مرضى بلا دواء، أسر بلا مأوى، أرواح تزهق في صمت قاتل، والعالم ما زال يتفرج.
من هنا، ومن أعماق الألم، نناشد الضمير العالمي، نناشد منظمات الإغاثة والإنسانية، نناشد كل من بيده أن يفعل شيئًا، أن يتحرك لرفع الحصار، وكسر قيود الجوع، وإدخال الغذاء والدواء والماء والكساء، وإنقاذ ما تبقى من كرامة الإنسان في غزة.
كفاكم صمتًا، كفاكم تردّدًا، كفاكم تواطؤًا بالصمت.
كونوا صوتًا للذين لم يعد لهم صوت.
كونوا يد الرحمة لمن تقطعت بهم السبل.
كونوا نورًا في هذا الظلام الطويل.
وليتذكر العالم أن الجوع قاتل، وأن الحصار جريمة، وأن من يملك القدرة على إنقاذ إنسان ولم يفعل، فهو شريك في الألم والموت والخذلان.
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.