تواجه عدن واحدة من أعقد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وهي التكدس السكاني غير المنظم. المدينة التي شُيّدت لتكون ميناءً عالميًّا وحاضرة مدنية حديثة، تحولت إلى نقطة جذب سكاني عشوائي بفعل غياب التخطيط والإدارة الرشيدة. فعدن اليوم لم تعد تستوعب فقط أبناءها الطبيعيين، بل تحولت إلى ملاذ لكل الباحثين عن عمل وخدمات من مختلف المناطق، ما جعلها تتجاوز قدرتها الاستيعابية أضعافًا مضاعفة.
تكدس السكان في عدن لم يكن حالة طبيعية من النمو، بل نتيجة مباشرة لإهمال الريف. الريف الجنوبي ظل لعقود مهمشاً، بلا مشاريع زراعية أو صناعية حقيقية، بلا مستشفيات ولا مدارس كافية، وببنية تحتية ضعيفة لا تشجع أحداً على البقاء. وهكذا وجد أبناء الريف أنفسهم أمام خيار واحد: النزوح إلى عدن. والنتيجة أن المدينة تُثقل يوماً بعد آخر بينما الريف يفرغ من موارده البشرية والإنتاجية.
إن ما يحدث اليوم يمثل معادلة خلل تنموي واضحة، مدينة تغرق في العشوائية وضغط الخدمات، وريف يتآكل في صمته. هذه المعادلة ليست قدرًا محتومًا، لكنها حصيلة سياسات قصيرة النظر لم تضع في الاعتبار أهمية التوازن بين المدينة والريف. فعدن وحدها لا تستطيع حمل أعباء الجنوب، ولا يجوز أن يظل الريف مجرد خزان بشري بلا تنمية.
المطلوب اليوم إعادة رسم خريطة التنمية بشكل متوازن. على الريف أن ينال نصيبه العادل من المشاريع الحيوية التي توفر فرص عمل وخدمات أساسية تحفظ كرامة الناس وتدفعهم للبقاء في أرضهم. وفي الوقت نفسه، تحتاج عدن إلى خطة عمرانية جديدة تُعيد تنظيم أحيائها وشوارعها وتضع حدًّا للبناء العشوائي والفوضى الخانقة.
إن استمرار الوضع كما هو يعني المزيد من الاختناق في عدن، والمزيد من النزيف في الريف. ولا مستقبل مستقر لأي مدينة إذا لم يُدعّم ريفها، ولا حياة كريمة لأي ريف إذا ظل مهمشًا. إنها معادلة بقاء، إما أن نفهمها الآن ونتحرك، أو نستيقظ غدًا على مدينة منهكة وريف ميت.