سجائر الموت الرخيصة: هل هي تجارة أم مؤامرة؟

2025-09-07 21:27

 

تتضارب الوقائع وتثير علامات استفهام كبرى في أسواق عدن، حيث تشهد المدينة ومدن تخرى كثيرة في اليمن غزوًا صامتًا من نوع فريد يتمثل في السجائر مجهولة المصدر، التي تباع بأسعار لا تغطي حتى تكلفة علبها الفارغة. وهذه الظاهرة لا تقتصر على كونها مجرد تجارة غير مشروعة، بل تتعداها إلى كونها قضية معقدة تتشابك فيها أطراف متعددة، وتتوالد حولها الشكوك في دوافعها الحقيقية، التي تتجاوز الأهداف التجارية بكثير.

لغز السعر الذي يتحدى المنطق

للوهلة الأولى،حيث ينتابك شعور بالغرابة وأنت ترى علب سجائر تباع بمائتي ريال يمني فقط، بينما لا يتجاوز أغلى نوع منها ألف ريال. رإذا ما قمنا بتحليل بسيط، سنجد أن هذا السعر يتحدى كل قواعد المنطق الاقتصادي. فصناعة علبة سجائر واحدة تتطلب تكاليف باهظة تبدأ من شراء التبغ، مرونًا بعمليات التصنيع المعقدة من لف وتغليف وتعبئة وتركيب فلاتر، وصولًا إلى تكلفة الورق والعلبة ذاتها. يضاف إلى ذلك كله، تكاليف النقل لمسافات طويلة، وأخيرًا، مخاطر وعمليات التهريب التي غالبًا ما تضاعف التكلفة النهائية. فكيف إذن يمكن أن تباع هذه السجائر بأسعار لا تغطي تكلفة صندوقها الكرتوني الفارغ.

وفيما يزعم البعض أن هذه السجائر عبارة عن مخزون قديم وفائض عن حاجة الشركات المصنعة، يتم التخلص منه ببيعه بأسعار زهيدة. لكن هذا التبرير لا يصمد أمام التدقيق. فهل من المعقول أن يكون هذا الفائض الهائل، الذي يغرق أسواقنا منذ سنوات، مخزونًا لا ينفد أبدًا؟ فالشركات المصنعة تدار بمنطق اقتصادي دقيق، ولا يمكنها أن تنتج كميات فائضة عن الحاجة بهذه الكميات لتبيعها لاحقًا بخسارة فادحة. هذا السيناريو لا يتلاءم مع أي عملية تجارية سليمة، بل يثير تساؤلات حول أهداف غير تجارية تقف وراء هذا التدفق المستمر.

 

وفي خضم هذه الفوضى، يبرز تناقض صارخ في المشهد المحلي. فبينما يتم إغراق الأسواق بالسجائر المهربة الرخيصة، ترتفع أسعار السجائر الوطنية المحلية بشكل خيالي، مما يضعها خارج متناول المواطن البسيط. والأغرب من ذلك، أن الحكومة التي يفترض ان تحمي وتشجع الصناعات المحلية، تبدو وكأنها تحاربها. فمن جهة، تفرض عليها ضرائب مرهقة، ومن جهة أخرى، تقوم بحظر بيع بعض المنتجات الوطنية من السجائر مثل "روثمان" و"الكمران"، وآخرها توقيف إنتاج "البال مال"  لأسباب تتعلق بالشركة الأم. رغم انها مستفيدة كثيرا..

هذا التناقض يدفع الكثيرين إلى التشكيك في المزاعم التي تؤكد بأن هذه السجائر "مهربة"، فالكميات الضخمة التي تدخل البلاد، وسهولة بيعها أمام أعين الحكومة، كلها تشير إلى أن دخولها يتم بدعم أو على الأقل بغض الطرف من الجهات الحكومية وهذا الأمر يثير الشكوك حول وجود تواطؤ مع جهات دولية تدعم هذه السجائر لأهداف غير معلنة، أبعد ما تكون عن التجارة.

 

إن الرخص الشديد لهذه السجائر، وعدم وجود رقابة عليها، يزيد من احتمالية أنها تحتوي على مواد سامة أو قاتلة. فإذا كان الهدف ليس الربح المادي، فماذا يمكن أن يكون الهدف اذن؟ حيث. لايمكن فصل الأمر  عن استهداف صحة المواطنين، وجعلهم فريسة لمنتجات رخيصة  تسبب لهم أمراضًا خطيرة وقاتلة. وهذا السلوك المشبوه لا يهدد الاقتصاد الوطني فحسب، بل يمثل خطرًا حقيقيًا على الأمن الصحي للمجتمع.

لذلك، يجب على الحكومة أن تضع حدًا فوريًا لهذه الظاهرة. فالصمت المطبق والتغاضي عن هذا الغزو الصامت لا يمكن تبريره، ويضع الحكومة في موضع الاتهام بالتقصير أو التواطؤ. فحماية الصناعة المحلية وتوفير منتجات آمنة للمواطنين يجب أن تكون على رأس أولوياتها، قبل أن تتفاقم الأزمة وتتضح الأهداف الخفية وراء هذه "السجائر المهربة".