التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد

2025-09-22 18:36

 

لطالما شكلت تحويلات المغتربين ركيزة أساسية لاقتصاد العديد من الدول النامية، واذا اخذنا الحالة اليمنية كنموذج يثير الكثير من التساؤلات حول العلاقة بين هذه التدفقات النقدية واستقرار الاقتصاد الوطني. وعلى سبيل المثال فقبل الوحدة اليمنية  عام 1990، كان اقتصاد الجمهورية العربية اليمنية يعتمد بشكل كبير على عائدات وتحويلات المغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية ودول الخليج. حيث ساهمت هذه التدفقات النقدية الكبيرة  في دعم العملة الوطنية وتقوية الاقتصاد بشكل ملحوظ انذاك.

ولكن هذا المشهد تغير بشكل جذري بعد موقف نظام صنعاء المؤيد لصدام حسين إثر اجتياحه لدولة الكويت في بداية التسعينيات. حيث تسبب هذا الموقف في طرد أعداد كبيرة من المغتربين اليمنيين من دول الخليج، مما كان له أثر سلبي وفوري على الاقتصاد اليمني وفقدان مصدر دخل حيوي.

 

وبالنظر إلى الوضع الحالي في البلاد، يبرز تناقض غريب ومحير. فالتقديرات تشير إلى أن أعداد المغتربين اليمنيين في دول الخليج ومختلف أنحاء العالم تفوق بكثير أعدادهم قبل الوحدة. ومع ذلك، فان هذه التحويلات لا تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي أو إيقاف الانهيار المستمر للعملة المحلية. بل على العكس، تشهد اليمن تدهورًا اقتصاديًا حادًا وانهيارًا غير مسبوق في قيمة الريال اليمني بشكل غريب.

أضف إلى ذلك عاملًا اقتصاديًا جديدًا ومهمًا يتمثل في الرواتب الشهرية المنتظمة التي يتقاضاها آلاف العسكريين الجنوبيين بالعملتين السعودية والإماراتية. هذا التدفق النقدي، الذي يمكن اعتباره دخلًا قوميًا ضخمًا، يفترض أن يكون له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد المحلي. فوفقًا للنظريات الاقتصادية، يجب أن يساهم هذا الدخل في تعزيز قوة العملة الوطنية وتحسين الميزان التجاري. ومع ذلك، فإن الواقع لا يعكس هذا الحقيقة، بل يزداد الوضع سوءًا على نحو غير منطقي.

إن الجمع بين هذه العوامل، أي تحويلات المغتربين الضخمة، ودخل العسكريين بالعملات الأجنبية، إضافة إلى المنح والمساعدات الدولية والإقليمية والصادرات المحلية، يجعل من الصعب تفسير الانهيار الاقتصادي المستمر من منظور اقتصادي بحت. فهذا الوضع الغريب الذي يتنافى مع كل القواعد الاقتصادية المعروفة يدفعنا إلى تأكيد الفرضيات التي تقول بان تدهور الاقتصاد وانهيار العملة المحلية عملًا ممنهجًا ومفتعلًا؟

هذا الطرح يرى أن انهيار العملة ليس نتيجة لأسباب اقتصادية عادية، بل هو نتاج لسياسات متعمدة تهدف إلى خلق حالة من عدم الاستقرار حيث ينبغي ان يفتح هذا التساؤل الجريء الباب أمام نقاش أوسع حول الأسباب الحقيقية وراء الأزمة الاقتصادية اليمنية، التي لا تنحصر فقط في العوامل الاقتصادية التقليدية.