يتكرر المشهد ذاته اليوم في حضرموت: تحكيم جديد بين السلطة وآل كثير في قضية مقتل أبنائهم، وكأننا نعود بالزمن أحد عشر عامًا إلى الوراء، حين كتبت عن مقتل سعد بن حبريش وقلت يومها إن حضرموت تتراجع بخطى مؤلمة عن حلم دولة القانون المدنية.
التحكيم القبلي له مكانه في إصلاح ذات البين في القضايا البسيطة، لكنه يفقد معناه حين يُستبدل به القضاء في جرائم قتلٍ عمد واضحة المعالم. فهذا تجاوز صريح لنصوص قانون التحكيم اليمني، الذي يمنع التحكيم في القضايا الجنائية، لأن الدماء لا يُفصل فيها إلا بحكم قضائي نافذ، لا ببعيرٍ يُذبح ولا ببنادق تُقدَّم رمزًا للترضية.
ويبقى السؤال الذي يتكرر كل مرة:
هل سيدفع القاتل دية المقتولين هذه من ماله؟ أم ستُدفع من خزينة الشعب كما حدث في سوابق عبثية مشابهة؟
فهل صارت أموال المواطنين تُستنزف للفداء عن القتلة بينما المواطن البسيط لا يجد راتبه ولا دواءه؟
إن كان أبناء آل كثير قد حصلوا على دية بمليونين ونصف، فهم يستحقون أكثر من ذلك في فلذات اكبادهم،
لكن أين دية الشهيد محمد سعيد يادين الذي قُتل بدمٍ بارد وسط تريم قبل شهر وهو يطالب بحقوق الناس؟
لماذا لا تتحرك الدولة ولا مشايخ التحكيم حين يكون الضحية من عامة الشعب لا من أبناء النفوذ؟
أم أننا أصبحنا أمام مواطنين من درجتين؟
إن تكرار اللجوء للتحكيم القبلي في قضايا القتل بدل القضاء لا يعني سوى تكريس ثقافة الإفلات من العقاب، وتحويل العدالة إلى صفقة مالية، بينما يُدفن القانون تحت ركام اعراف ماقبل الدولة.
وما لم يُحاسَب القاتل بميزان القانون، فدماء الضحايا ستبقى معلقة في أعناق الجميع: في أعناق من يصمت، ومن يبرر، ومن يشارك في شرعنة هذا العبث باسم التحكيم والترضية.