*- شبوة برس - علي بالعبيد
منذ تأسيسه في مايو 2017 حمل المجلس الانتقالي الجنوبي على عاتقه تمثيل تطلعات قطاع واسع من الجنوبيين في اليمن الذين ينادون باستعادة دولتهم. انطلق المجلس بزخم شعبي كبير مستندا إلى إرث "الحراك الجنوبي" وتضحيات "المقاومة الجنوبية" لكن بعد سنوات من العمل السياسي والعسكري يجد المجلس نفسه اليوم في مواجهة تحديات وجودية تهدد شعبيته ومستقبله.
تآكل القاعدة الشعبية:
الأسباب والدلائل كان المجلس الانتقالي يتمتع في بداياته بشعبية جارفة إلا أن هذا الزخم بدأ يتراجع تدريجيا. ويمكن إرجاع هذا التآكل إلى عدة عوامل رئيسية:
تردي الأوضاع المعيشية والخدمية:
يعاني المواطنون في المحافظات الجنوبية من أزمات اقتصادية خانقة تشمل انهيار العملة وارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه. ورغم أن المجلس شريك في الحكومة إلا أنه لم يتمكن من تحقيق تحسن ملموس في حياة الناس مما أدى إلى حالة من السخط الشعبي وتوجيه اللوم إليه باعتباره جزءا من السلطة القائمة.
الانحصار في العمل السياسي النخبوي:
يرى مراقبون أن أنشطة المجلس انحصرت بشكل كبير في تقاسم المناصب الحكومية والترتيبات السياسية الداخلية دون أن يكون لهذه الخطوات أثر فعلي على أرض الواقع يلبي طموحات الشارع الجنوبي.
•غياب العمل المؤسسي وتهميش القيادات:
تتصاعد الانتقادات من داخل المجلس وخارجه حول ما يوصف بـ "التفرد في صناعة القرار" وتهميش قيادات مؤسسة وفاعلة. وقد حذر نائب رئيس المجلس أحمد سعيد بن بريك من أن القرارات الفردية والارتجالية واستبدال أهل الخبرة بـ "مراهقين سياسيين" يهدد المشروع الوطني الجامع.
•ضغوط إقليمية ودولية:
يواجه المجلس تحديات سياسية معقدة تتعلق بالصراعات الإقليمية والمواقف الدولية التي قد لا تتوافق دائما مع طموحاته مما يجعله أحيانا يتخذ قرارات تفسر على أنها استجابة لضغوط خارجية وليست نابعة من إرادة شعبية.وقد انعكس هذا التراجع في استطلاعات رأي غير رسمية أجراها صحفيون جنوبيون حيث أظهرت نتائج سلبية تجاه أداء المجلس إذ وصفه غالبية المشاركين بأنه "فاشل" في تحقيق أهدافه.
تحديات داخلية وخارجية ترسم المستقبل إلى جانب تراجع شعبيته يواجه المجلس الانتقالي مجموعة من التحديات المعقدة التي سترسم ملامح مستقبله:التحدي الاقتصادي: يعد تحسين الوضع المعيشي للمواطنين هو الاختبار الأكبر للمجلس. فبدون تحقيق استقرار اقتصادي وتوفير الخدمات سيفقد المجلس ما تبقى من حاضنته الشعبية..
التحدي السياسي:
يحتاج المجلس إلى توحيد الصف الجنوبي وتعزيز الحوار مع كافة المكونات السياسية والمجتمعية لتقديم رؤية موحدة. كما أن علاقته بالحكومة الشرعية والقوى اليمنية الأخرى لا تزال تمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق أهدافه..التحدي العسكري والأمني: رغم سيطرته العسكرية على مناطق واسعة لا يزال الجنوب يواجه تهديدات أمنية وأنشطة إرهابية مما يضع عبئا إضافيا على المجلس..
العلاقات الخارجية:
أثارت تحركات المجلس الأخيرة مثل بناء علاقات مباشرة مع دول كبرى كروسيا وعرض فرص استثمارية في قطاعات سيادية تساؤلات حول تجاوز الحكومة المعترف بها دوليا وهو ما قد يعقد المشهد السياسي..
أخيراً :
على مفترق طرق يقف المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم عند مفترق طرق حاسم. فالشعبية التي كانت يوما ما أكبر رصيده تتلاشى وسط أزمات اقتصادية خانقة وشعور بالإحباط من غياب الإنجازات الملموسة. لم يعد يكفي رفع شعار "استعادة الدولة" دون ترجمته إلى واقع يحسن من حياة المواطنين ويوفر لهم الأمن والاستقرار.إن استمرار النهج الحالي الذي يعاني من غياب العمل المؤسسي وتصاعد الخلافات الداخلية قد يقود إلى خسائر سياسية وشعبية لا يمكن تعويضها. المستقبل مرهون بقدرة المجلس على إجراء مراجعة داخلية شاملة وإعادة بناء الثقة مع الشارع وتقديم حلول حقيقية للتحديات الاقتصادية والخدمية. فإما أن ينجح في استعادة بريقه ومصداقيته عبر الإصلاح الجاد والعمل المؤسسي أو سيجد نفسه معزولا وقد حكم على مشروعه بالتراجع.