هوية متصدعة واقتصاد مدمّر
تحليل: محرر شبوة برس
شكّلت التجربة الماركسية في الجنوب العربي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) نموذجاً صارخاً لفشل تطبيق الأيديولوجيا المتطرفة على واقع مجتمعي معقد. لقد سلطت سياسات التأميم والقمع والأولويات الأمنية ضربة قاسية لاقتصاد عدن ومؤسساتها الاجتماعية، وحوّلت منظومة كانت قائمة على تداخل تجاري وثقافي عالمي إلى كيان اقتصادي معزول يعتمد على المساعدات ويعاني هروب الكفاءات ورأس المال.
قال محللون اقتصاديون إن التحويل القسري لملكية المؤسسات وإلغاء الحوافز للفرد المبادر قضى على مناخ الأعمال وعرّض الصناعات المحلية للانهيار. وأوضح مختصون في الشأن الاجتماعي أن آليات القمع الأمني وشبكات الملاحقات والسجون خلقت مناخ خوف دائماً منع أي تعبير عن اختلاف أو نقد، ما أدى إلى تآكل الثقة بين المواطن والدولة وتفكيك النسيج الاجتماعي.
بلغت سياسة العنف الداخلي ذروتها في اقتتال عام 1986 بين فصائل داخل الحزب الحاكم نفسه، ما كشف هشاشة المشروع السياسي وعجزه عن إدارة الخلافات داخلياً. وأفاد باحثون في دراسات الصراعات أن تلك الأحداث لم تكن فقط مواجهة مسلحة بل محطة كاشفة عن غياب مؤسسات سياسية قادرة على التأسيس لدولة مدنية؛ الدولة التي أقيمت بالقوة أصبحت غير قادرة على ضمان الأمن أو العدالة أو التنمية المستدامة.
الإرث السياسي للتجربة لا يقتصر على أضرار مادية فحسب، بل يتمثل أيضاً في جروح سياسية ونفسية لدى أجيال تحمل خبرة العنف والإقصاء. إن محاولة فرض نموذج أيديولوجي خارجي بلا مراعاة للخصوصية الاجتماعية والثقافية أفضت إلى نتائج معاكسة: تفكك إدارياً، شلل اقتصادي، واستنزاف للموارد البشرية. وقد أكد خبراء أن أي محاولة لإعادة بناء بعد هذه التجربة يجب أن تبدأ بالتوثيق ومحاكمة التجاوزات وإنشاء آليات للعدالة الانتقالية والمصالحة، إلى جانب سياسات اقتصادية تعيد الحيوية لقطاع التجارة والخدمات وتستعيد ثقة المجتمع بالمؤسسات.
من زاوية عملية، يستلزم التصدي لآثار هذه الحقبة عملية مزدوجة: معالجة فورية لآثار الانهيار الاقتصادي عبر سياسات تشجع الاستثمار وعودة الكفاءات، وعمل طويل الأمد يركز على التعليم، إصلاح الإدارة العامة، وتمكين المجتمع المدني. كما أن فتح ملفات الماضي بشفافية وتقديم تعويضات رمزية وقيَم ترسي مبادئ المساءلة قد يساعدان في تفكيك دائرة الصدمة الجماعية وبناء رؤية مشتركة لمستقبل مستند إلى مؤسسات مستقرة واحترام لحقوق الإنسان.
الخلاصة أن تجربة 1967–1990 درْس قاسٍ في حدود استيراد النماذج الأيديولوجية دون ضبطها بآليات مؤسسية وديمقراطية. إن الاعتراف بالأخطاء وتعلم الدروس وإرساء قواعد حكم رشيد قائم على الشفافية والمشاركة هما الطريق الوحيد لتحويل الإرث الثقيل لتلك الحقبة إلى فرصة لإعادة البناء.
محرر شبوة برس