من زمن الصدق تخرج الدروس التي كانت ترفع الرؤوس، ،وفي واقعة حدثت كأنما هي بنت اليوم بسبب العوامل والتشابه التي تدور مع الزمن وتصل إلينا، جرت حكاية في زمن وزير السلطنة القعيطية البنجابي جيهان خان والذي كان يدير الإدارة الحضرمية وبعد نزاعات عصفت بالسلطنة بغرض التنافس على المنصب.
وعرف هذا الوزير بأنه لا يميل للنفاق والمجاملات وسط المجتمع المكلاوي ولا يستميله لا التجار ولا أصحاب الوجاهة، وكان لديه سائق لسيارته اللاندروفر المتهالكة يدعى سعيد فخة وكما هو معروف كان عدد السيارات قليلة حينها وخط سيرها محدد ومعروف تتحرك في الثامنة من بيت الوزير ببرع السدة مرورًا بشارع السوق وحتى السكرتارية جنب الميناء، وحين يصعد السيد جيهان خان مكتبه يظل سائقه سعيد جنب السيارة منضبطًا وملتزمًا من دون حركة ولا همسة لاهنا ولا هناك وهو من عبيد السلطان الذي يشهد لهم بالطاعة والحزم.
لكن أحد تجار البز في سوق المكلا ودكانه يقع أمام مسجد الروضة وفي قلب سوق المكلا ويشتهر بحب الظهور والتقرب لعلية القوم وكبارهم، كان له رأي آخر ودخل مع تجار السوق في تحدٍ ومنافسة أنه سوف يدعو ويقدر على دعوة السيد الوزير لدكانه وسوف يشرب معه كأس ليمون بارد من مشرب الحوثري المجاور له، وتراهنوا على هذا الكلام وبقيت أنظار التجار وأهل السوق تترقب كيف سيفعل هذا عوض صالح باخريبة ويجلب الوزير لدكانه، ولكن التاجر باخريبة كان ذكيًّا ومحتالًا في نفس الوقت، ما الذي فعله بدهائه وخبثه؟
ذهب إلى سائق الوزير سعيد فخة وكان فقيرًا بطبيعة وضعه الأسري حينها والبيسة قليلة، فعرض عليه بلباقة وبها خدعة وتحت تأثير دبلوماسية العم عوض باخريبة وهو صاحب لسان حلو ويده رطبة، قال له شف يا سعيد يا ولدي باتقع لك مائة شلن حمراء جديدة تقضقض وفوقها شميز جديد بامبيش مخطط، بس عليك لا وصلت لا قدام دكاني طفي مكينة السيارة وخلها كأنها عطلت وخرج فتح البانيت حقها كأنك تهندس شيء بها، وأنا باخرج من دكاني وبادعي السيد الوزير يبرد عندي وقد القلاس الليم البارد جاهز، وعلى ما يشرب الليم شغل المكينة، فكر الولد وذي مائة حمراء ووافق فالإغراء قوي والمية في ذلك الوقت راتب اثنين وعادها جديدة حمراء وفوقها شميز زين والقصد سليم.
وفي ظهيرة اليوم الثاني تمت المسألة وشاهد السوق كله وأمام أنظارهم كيف جلس الوزير السيد جيهان خان في دكان العم عوض صالح باخريبة وطار الخبر ليس في المكلا وبس، بل خارجها للشحر والغيل، وكسب الرهان والتفوق وملأ الحسد والغيرة باقي التجار في المدينة.
من مفهومنا اليوم والناس بلا رواتب والجوع يعصف بهم وأولادهم من دون مصروف ومثقلين بالديون، وفي ظل كثير من الصفقات المتعرجة والثراء الخاص هل ننتظر أن يقاتل العسكري وينضبط الموظف وتنجح حلول نهاية الحرب؟ وهل ممكن للمؤتمن على عمله يبيع للعم باخريبة بمائة شلن حمراء تقضقض كما سوى السائق زمان، أعتقد أن البيع قد تم وأن من استلم أكثر مما نتوقع وباختلاف النية ما بينهم وبين سعيد فخة حق زمان وبين سعيد لفخة وأكثر من لفخة في زمننا الحاضر، أليس كذلك؟