ما حدث في حضرموت طوال العقود الثلاثة الماضية ليس مجرد فشل سياسي أو سوء إدارة، بل جريمة قذرة وممنهجة، جريمة ارتكبت بدمٍ بارد ضد الأرض والإنسان والثروة. عبث منظم لم يعرف له التاريخ المحلي مثيلاً، وممارسات في غاية الدناءة والانحطاط لا يمكن لعاقل أو صاحب ضمير أن يبررها أو يتعايش معها.
إن تمسّك هذه القوى بالبقاء في حضرموت لم يكن يوماً حباً فيها ولا حرصاً على أهلها، بل شهية مفتوحة للنهب، وطمعاً أعمى في ثرواتها، ورغبة مريضة في استمرار استنزاف خيراتها وتحويلها إلى ملكيات خاصة تدار بعقلية العصابات لا بعقلية الدولة.
وفي المشهد ذاته، ظهرت فئة منبطحة تلوك شعارات “الوحدة” حتى تآكلت، ترفعها في العلن بينما تبيع الأرض في السر. فهؤلاء ليسوا وطنيين ولا دعاة وحدة، بل أدوات رخيصة على موائد الفساد، بلا قرار، بلا كرامة، وبلا أي مشروع سوى البقاء تحت أقدام الناهبين.
والمفارقة الفاضحة أن هؤلاء أنفسهم لم يجنوا شيئاً من هذه الوحدة التي يدعون الدفاع عنها؛ لا كرامة حفظت، ولا حقوق صِينت، ولا ثروات وزعت بعدل. وحدة لم تنتج إلا الفقر، ولم تحصد إلا الإذلال، ولم تخلف سوى أرض منهوبة وشعب مسحوق.
قد نختلف مع المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن ما جرى اليوم هو زلزال سياسي حقيقي، قلب الطاولة على رؤوس الفاسدين، وكسر جدار الصمت السميك الذي احتموا خلفه سنوات طويلة. إنها لحظة كاشفة، لحظة مواجهة، ولحظة خروج من مستنقع المجاملات القاتلة.
هذه الخطوة ستفضح المستور، وستعرّي كل من راكم الثروات من دماء الناس، وكل من سمن بطنه من سرقة قوت الشعب، بينما ظلّت المحافظات الشمالية رهينة شعارات كاذبة ووعود خاوية، بلا تحرير، بلا سيادة، وبلا كرامة.
لا مجاملة بعد اليوم، ولا صمت بعد الآن. اكشفوا الأقنعة، وأسقطوا الأقلام المأجورة، وسمّوا الأشياء بأسمائها. فالخائن خائن، مهما تلحف بالشعارات، ومهما تاجر بالدين أو احتمى بالوحدة. من خان الأرض وباع الشرف لا يستحق سوى الفضيحة أمام شعبه والتاريخ.
اليوم انتهت مرحلة الصمت والخوف، وبدأت مرحلة المواجهة والحساب. ومن يظن أن الزمن سيعود إلى الوراء فهو واهم… فالأرض التي بدأت تطهير نفسها، لن تقبل بعد اليوم أن تدار بعقلية اللصوص..
وسيظل الجنوب حراً أبيا وفياً لتضحيات شهدائه، وعصيا على الانكسار..
✍️ ناصر العبيدي