محاربة الجمال والفن

2014-08-30 11:17

         

هل فقدنا الجمال والإبداع والفن والإحساس به ؟ ، بل صرنا عدوا لكل ما هو جميل نعاديه ونرفضه ، ولا نرى له وجودا إلا في الآخرة التي تمثل القيم العليا ، منظومة القيم الاجتماعية والثقافة الجمعية تجافي الجمال والفن والإبداع ، مناهجنا الدراسية تجاهلت تدريس مادة الفن والإبداع ، ومساجدنا تذم الدنيا بما يستلزم الهروب للجمال في الجنة ، ووسائل إعلامنا والتواصل الاجتماعي تعج بالصراعات السياسية والحزبية والاجتماعية والمناطقية ، حتى مجلاتنا وصحفنا المتخصصة في الثقافة والفن والإبداع استجابة لحملة التجهيل والتضليل وأثارت السلامة والسكوت ؛ ليصير الدفاع عن الجمال واستحضاره في حياتنا وواقعنا جريمة لا تغتفر اجتماعيا وثقافيا وفي فكرنا الجماعي .

         

وصف المبدع كوبر الجمال في عبارته :" خلق الله الريف ، وخلق الإنسان المدينة "مشيرا  بهذه العبارة بان كل ما خلق الله جميل ، وان الجمال يكمن في البساطة والسهولة ، فكثير من الأشياء التي نحتقرها في حياتنا وتحيط بنا يكمن فيها الجمال والإبداع نتجاهلها لنركب موجة العنف والقبح والصراع ؛ لغياب ثقافة الجمال والتعامل به والتنعم بالحياة الجميلة .

         

تدرس بعض الدول مناهج عن " فن الحياة وفن العيش " لترسيخ قيم التذوق بالجمال واستشعاره في الحياة وجعل الإحساس بالجمال واقعا في حياتهم تتناقله الأجيال في حياتهم الاجتماعية والثقافية ، هذا الجمال يتجلى في أشياء بسيطة كتصفيف مائدة الطعام أو جلسة عائلية أو رحلة شبابية ، بينما في بلدنا حين قدم المنتصرون بعد صيف حرب 1994م حولوا صالة السينما والمسارح وفرق الإنشاد والمنشاءات الرياضية إلى مطاعم ومواقع عامة وعقارات وأراضي للفيد ، تبع هذا السلوك الهمجي تكريس معاداة الجمال والفن في المناهج الدراسية وتعليق مواد الفنية والتربية الفنية والبدنية في التعليم الأساسي مما جعل شخصية النشء والجيل القادم لا تعرف غير العنف والقبح والخشونة طريقة تعامل وخطاب يتعايش به المجتمع .

         

معاداة الجمال والفن والإبداع يبدو انه ثقافة حديثة ودخيلة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، فالتاريخ العربي يصور الشاعر الجاهلي عنترة على سبيل المثال فارسا يجز الرقاب ويقطع الأشلاء ويريق الدماء متناسين أشعاره الجميلة في تشبه بريق السيوف بابتسامة ثغر محبوبته الجميلة .

 

هذه الأحادية الفكرية في قراءة التاريخ والانتقاء منه سيطرت على مناهجنا وكتبنا وخطبنا وخطاباتنا وقراءتنا لماضينا وواقعنا ومستقبلنا .

 

حتى أسلافنا السابقين ممن وصفناهم بالجاهليين اتخذوا المرأة مخلوقا جميلا طللية شعرية ومطلعا شعريا يتغنى فيه الشاعر بالجمال ونظرته للجمال وتجلياته ؛ ليجعله شعارا ومقدمة لمواضيع قصيدته وفكرته .

         

الإسراف في النقد والإغراق فيه وغلبة النظرة السوداوية للحياة ماضيها وحاضرها ومستقبلها تعكر ما تبقى من مظاهر الجمال والفن في حياتنا وتدفعنا لفقدان الأمل والتبشير بالجمال ثقافة عيش وفن تعامل مع منعطفات الحياة وصعوبتها ، شرعت بعض وسائل الإعلام والميديا لمشروع " يوم بلا مشاكل " يتحدث فيه الكتاب والإعلاميين عن مواضيع وقضايا ايجابية في حياتنا اليومية تخفيفا من حمى النقد والسوداوية في التعامل مع مقتضيات الحياة المتناقضة وترسيخا لثقافة فن الحياة واستشعار الجمال ؛ هذه الدعوة أتمنى  أن تجد قلبا وأذنا صاغيا عند نخبنا ومثقفينا وإعلامينا وسياسينا لنبشر بشعاع الحياة وجمالها عسانا نخرج المجتمع من إحباطه ودوامة العنف والصراع الذي يراد ترسيخه ثقافة ومنهجا لعيشينا وحياتنا ! .