الإسلام هو الحل.. بين التجارة والتدين ؟!

2013-02-02 07:41

بقلم : * فائز سالم بن عمرو

كلما دارت عجلة الأيام عمّقت الفجوة بين الشعار والواقع ، بين الحلول الفضفاضة والواقع الرافض لها ، بين طموحات المواطن البسيط ، ومطالب الشباب الذي تغص به الميادين والساحات التوّاقة لتنفس أجواء الحرية ، وملامسة الكرامة الإنسانية ، وتحقيق العدالة الاجتماعية .

التصادم الذي يعيشه الشعب والشباب من قبل أنظمة الحكم المتأسلمة ، ويكابدون ويلاته اشراقة كل صباح ، لقد فشلت هذه الأنظمة الاسلاموية في ملامسة أي خطة ، أو الشروع في أي انجاز تنموي يعطي بصيص أمل لمشروع اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي .

 

كل يوم وكل ساعة تتفاقم المشاكل الاقتصادية ، ويتعقّد الواقع السياسي المأزوم ، وتزداد المسافة وتتوسع الهوة بين المجتمع وبين الواقع الجاثم على صدور الفقراء والمهمشين والشباب ، والضارب بشعاراته في وسائل إعلام غيّرت جلدها ، ونبرة صوتها من الهتاف للدكتاتور المستبد إلى مبايعة المستبد العادل ، ترتسم في واقعنا صورتين متناقضتين بين واقع اسود مظلم يزداد ظلمات مع الأيام وانقضاء الساعات ، وبين خطابات وشعارات وأوهام شمولية تبشرنا بالمن والسلوى لو رضينا بالقضاء والقدر ، وخلعنا ثوب الثوري والمعارض والناقد .

صارت هذه الخطابات الاسلاموية والشمولية مقارنة بالواقع المعاش ضربا من الخيال والتنجيم ، وبيع الوهم وصكوك الجنة والنار لمن امن وصبر ، والويل والثبور لمن رفض وثار واعترض .

 

لم تمر الحركات الإسلامية بامتحان صعب مثل هذه الأيام التي تربّعت فيها كراسي الحكم في زمن الربيع العربي الذي وضعها وجها لوجه أمام تطلعات الشعوب ، ومطالب الشباب ومظالم المجتمع ، مما جرد جماعات الإسلام السياسي النظرة القدسية لها ولأفعالها وخطابتها ، واسقط تعاليها الفكري والسياسي ، وأخضعها لإحكام الطبيعة وقوانينها الدنيوية من قبول النقد والاعتراف بالآخر ، ومحاكمة السياسات والخطابات والشعارات ، ورفض الممارسات والأعمال والسلوكيات المبهمة ، ولو تلبست بلباس الدين ، وتغطت برداء الفضيلة والقداسة .

 

 نمت وترعرعت وقويت الحركات الإسلامية تحت ظل المعارضة التي أطلقت فيها سيلا من التصريحات والاستنكار وتخوين الحكام والقوى الوطنية والجهات السياسية والدول الغربية ومنظماتها الدولية والقانونية والإنسانية ، وأصبحت شعاراتها الكبرى والفضفاضة غطاء مكّنها من تشويه الحكام السابقين ، وتحميل كافة القوى الوطنية الفشل والارتهان للغرب ، وتبني رفض الظلم والمطالبة بحياة كريمة .

تلك الشعارات استعملها الإسلام السياسي رافعة سياسية ودينية تعطيه كل يوم رصيد مجاني في قلوب المواطنين ، وتكسب الحركات الإسلامية شعبية اجتماعية جعلتها تتغلغل في مفاصل المجتمع والدولة ، رغم حظرها من العمل الاجتماعي والسياسي ، وخاصة بأنها أضفت خطابها الصبغة الدينية ، فصار شعار " الإسلام هو الحل " الراية الكبرى التي انضوت تحتها كل الحركات الإسلامية على اختلاف مشاربها المذهبية والفكرية والسياسية ، ولم تطالب الشعوب والمجتمعات تطبيق هذا الشعارات وتجسيدها واقعا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا يحل مشاكل الأمة والمجتمع المتكاثرة ، إلا بعد الربيع العربي ذي النكهة الاسلاموية ، فجوبهت هذه التساؤلات المشروعة والمعاشية والمفروضة من قبل مجموعات الإسلام السياسي بالهروب إلى شعار اكبر قائم على ركوب موجة تبني خطاب المؤامرة الغربية على الإسلام والإسلاميين ، والتشكيك في هوية ودين من يطالب بتحقيق هذه الشعارات العادلة ، وكان خطاب الثورة المضادة هو الأكثر بروزا وتربعا لخطابات الخلفاء الجدد من رؤساء الإسلام السياسي ! ، ونسي الحكام الجدد بان الناس كانوا يناصرونها في السابق أو يتغاضون عن شعاراتهم ؛ لكونهم في المعارضة ويتعرضون للاضطهاد والإقصاء نفسه من قبل الحكام والنخب الحاكمة ، ولم تدرك الحركات الإسلامية التباين الكبير بين السلطة والمعارضة ، فالإسلام السياسي الحاكم الآن ارتبط بالمواطن في مأكله ومشربه وملبسه وأمنه وحياته ومنشطه ومكرهه ، فإذا لم تتحقق مطالبه والشعارات التي ثار من اجلها ،  فانه سينتقد ويرفض ويثور ويكره ويعود من جديد للساحات رافعا مطلب الشعب يريد إسقاط النظام ، وربما يقاتل الشباب الثائر والمحبط حاكمه الإسلامي ، ويجنح للعنف ، وحينها لن تنقع الشعارات والخطابات التي تصفه بالكافر والفاسق والبلطجي والمتآمر على الإسلام ، لان من كان قبلهم من الحكام العرب وأساطير الدكتاتورية استعملوا هذه الشعارات والخطابات والسياسيات ، ففشلوا وطارت عروشهم ورؤسهم وأحزابهم .

 

 يطوي الربيع العربي والواصلون الجدد من الإسلام السياسي عامهم الثاني ، ولا نكاد نلحظ بوادر أي مشروع إسلامي ذي صبغة اقتصادية وسياسية واجتماعية ، غير ما اعتدناه من شعارات وعبارات فضفاضه تلبس بلباس الدين ، وتختم بشعار مشروع إسلامي ، وسبب الإخفاق بان الإسلام والقرآن الكريم كتاب ديني وعظي وإرشادي ، ليس مطالبا بإصلاح أمور الدنيا والعلم والسياسة والإعلام ، فالإسلام دين ومبادئ تقوم على الحفاظ على الواجبات الست الكبرى ، وتكريم الإنسان وإطلاق العنان لفكره وحريته ، فجعلت الحركات الإسلامية تتاجر بالدين وأحكامه لإغراض حزبية وسياسية للوصول للحكم والتمترس في السلطة تحت مسمى الدولة الدينية ، وتحيق الخلافة الإسلامية ، دون أن يكون عندها أي تصور أو آلية علمية ومدروسة لتشييد مشروع إسلامي متكامل منسجم مع العصر ومستجيب للحداثة ويتكئ على رافعة اقتصادية تغيّر حياة المواطنين وتنتشلهم من فقرهم ، وترجع حقوقهم وتحقق مطالبهم ، فما نشهده اليوم من بعض الخطابات الإسلاموية والدعوات الدينية ، إنما تخدم أشخاص وأحزاب وجماعات ، والإسلام والدين هو الخاسر الأكبر في هذه الصفقة الخاسرة .

 

المشروع الإسلامي الذي طالما سمعناه ما هو إلا مشروع غربي علماني ليبرالي حاول الإخوان ألباسه اللباس الديني في تشويه للدين والإسلام ؛ لإغراض حزبية وسياسية ، فالإسلام في " شكل الحكم " لا يقبل بحكم الأغلبية والاحتكام لحاكميه الشعب ، كما قدّمه لنا الخطاب الإسلامي السلفي والاخواني ، أما المشروع الإسلامي الاقتصادي فهو يقوم على الربا ، واحتكار رؤؤس الأموال ، وافقار الشعوب من خلال الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية والغربية ، فما نعيشه من مشاريع إسلامية ، ما هي إلا مشاريع غربية ليبرالية تقوم على التوحش الرأسمالي ، وعلى السير السريع في مشروع النيولبرالية العلمانية ؟! .

 

*كاتب من اليمن حضرموت

[email protected]