عدن.. يا سنديانة الوطن

2016-02-04 18:06

 

عدن.. يا عروس المدن ونجمة المحيط  التي تتمدد على مشارف الزمن..وتستلقي على شواطئ بحر العرب وتتوسد جبل شمسان الأشم ..عدن التي امتزجت فيها الحكايات والتاريخ بالأساطير منذ أن عمَرها الصادقون الطيبون الذين تكبدوا الصبر والمعاناة والألم وهم يصدون جحافل الغزاة عبر العصور .. دون أن تنحني هاماتهم إلا لله عز وجل.

 

عدن التي تضج مناراتها ومنابرها طوال السنين بالتهليل والتكبير أن حيا على الصلاة.. حيا على الفلاح ..ويتردد صدى صلواتها وابتهالاتها في عنان السماء.. وشعاب جبل شمسان.

 

عدن التي اجتذبت بموقعها الاقتصادي العديد من الهجرات والثقافات والملل من هنود وأتراك وأفارقة وأوربيين وهندوس وبوذيين وتشكل من هذا التباين مزيجا فريدا من الثقافات ومجتمعا حديثا منفتحا متسامحا .

 

عدن التي قال فيها الشاعر العربي عبده بدوي:

ماج الصباح وغنى حولنا الزمنُ

                       لما تبدلت في فجرها عدنُ

يا وردة البحر قد جئناك في فرحٍ

                 والعين لما يزل في هدبها الوسَنُ

عدن المدينة  التي تتضوع حاراتها وبيوتها برائحة العود والبخور العدني .. والفل و الكادي اللحجي من الغروب وحتى انبلاج الصباح.

 

عدن يا سيدة المدن ومرسى سفن الأحلام التي ارتبطت فيها الأرض بالتاريخ والشعر والأدب, وتعانقت مع الشجاعة والفروسية في عشق أبدي تتردد ألحانه على شواطئها لتنشر الفرح في أحيائها و أزقتها.. وتعزف أوتارها ألحاناً وأشجاناً تتسلل إلى القلوب تهز الوجدان والأركان.. وتنشد للحب والحياة والإنسان.

 

عدن حاضرة الجنوب وسنديانة الوطن..كنا نرى في صباحاتك الندية ما يرضي النفس المترعة  بالتسامح.. عندما كنتِ تضمين في أحضانك أصنافاً وألواناً وطوائف من البشر عندما كان يحكمكِ الكبار.. كانت دواوينك تفتح لكل قادم حتى جعل القائمون عليك مصلحتك قبل مصالحهم.. وكانت ولا زالت أيامهم تروى وذكرهم لا يُنسى.

 

لذا بقيت يا عدن آمنة مطمئنة متسامحة بأهلك الخيرين.. كنت مركزاً تجارياً عالمياً يفوق الوصف والخيال.. يُشار إليه بالبنان..

وعندما تولى أمورك حفنة من الصبية القُصر والمراهقين الجامحين.. باعوك دون مهرٍ ولا ثمن وسلموك قسراً للطامعين والجياع.. أرباب السوابق والإجرام..

 

وأذاقوكِ في عهدهم الخسف والهوان.. وفتكوا بأبنائكِ وأوغلوا في الفساد والرذيلة وسفك الدماء.. وكانوا يقتلونك عشرات المرات.. وأنت تقاومين وتطاولين شمسان بشموخك وإبائكِ وترفضين الخضوع للغزاة والأوغاد والأوباش.. لصوص الليل وزوار الفجر.. ومرت الأعوام وهم في غيهم سادرون.. لم يرحموا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً من أبنائكِ.. وكانت الجراحات نازفة..تدمي القلوب.

 

ولم تسلم الأشجار والأحجار والمساجد والمدارس والمزارع من غزواتهم المتلاحقة واجتياحاتهم المدمرة حتى أصبح الحُزن عنوانكِ و الدمع لا يفارق أهلنا فيكِ..

 

وانتفض الرجال من أبنائكِ لصد الغزاة والتحموا معهم في مواجهات دامية ودحروهم وطردوهم حتى أخرجوهم.. وبقيت خلاياهم النائمة.. مختبئة في جحورها لا تظهر إلا في الظلام لأنها تخشى النور.. تحمل ثقافة الموت واستباحة دماء المسلمين الآمنين في عدن.. وهم يدعون الإسلام وهو بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف.. سلاحهم الغدر والخيانة..

يلاحقون الشرفاء وعشاق الحرية الذين يقارعون الاحتلال ويقتلونهم غيلة وغدراً حتى سقط المئات من شبابنا الباسل.. ولا يسعنا اليوم إلا أن نترحم عليهم فهم مع الخالدين ونقول لهم:

 

سلام عليكم محتسبين وقد ارتحلتم بعد أن حققتم الحرية لشعبنا ونلتم شرف الشهادة..

سلام على كل شهيد منكم سقط على ثرى الوطن وأديمه الطاهر..

سلام عليك يا عدن.. على رجالك ونسائك وأطفالك وشيوخك..

سلام عليكم أيها الرجال الأشاوس من المقاومة الوطنية الباسلة..

سلام للنشامى من الأجهزة الأمنية..عيون الوطن الساهرة وحراسه..

سلام على كل بيت ومسجد ومدرسة في عدن وسائر أرض الجنوب..

 

وشلت أيادي الغزاة المجرمين وسدنتهم الخونة الذين يريدون أن تكوني وكراً للإجرام والإرهاب..!!

 

سلام عليك يا عدن.. وأنتِ صامدة صابرة تواجهين قطعان الإجرام وأعداء الحياة.. الذين سخرهم النظام الهرم البائس و أطلق عليهم مسميات شتى..

 

لقد أرادها النظام البائد حرباً مفتوحة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وهي بلا شك ستكون معركته الأخيرة الخاسرة..

وحتماً سيتخلى عن الساحة مرغماً لأصحابها الأصليين.. الذين سيتغلبون على خوفهم وسيقهرون جلاديهم.. وسيلقون بهم مع زعيمهم البائس في مزبلة التاريخ.