توقفت مذهولاً ومشدوهاً وانا استمع إلى تسجيلات للجنود الإسرائيليين وهم يتحدثون عن مشاعرهم والمذابح التي إرتكبوها بحق العرب من جنود ومن الأسرى والمواطنين في غزة وسيناء والضفة الغربية والجولان ، وذلك في معركة الايام الستة. التي إندلعت في 5 حزيران من عام 1967م
التسجيلات كانت قد وصفت بأنها سرية، ولكن وبعد مرور نصف قرن سمحت الرقابة الإسرائيلية في نشر وبث بعض هذه التسجيلات وتحفظت عما نسبته 70% تقريبا من مجموعة الاشرطة الصوتية .
عن تدريبات الجندي العربي وأحترافيته القتالية، فهي وحينها كانت تحت الصفر ، ولقد شهد بذلك الرئيس جمال عبد الناصر ، حينما قال لقد هـُزمنا لأن جيشنا لم يتدرب وقال بما نصه - لقد خاض الجندي المصري الحرب دون أن يسمع طلقة رصاص حية في أي مناورة وتدريب قتالي -
من خلال تتبعي للمكالمات المسجلة ، التي شملت بعض القادة والجنود والمتطوعين، فقد تحدثوا جميعهم بما يعني انهم تلقوا اوامر بأن لا يميلوا إلى الرأفة وان يتعاملوا مع الأسير والجريح وكل شاب بل كل شخص حي، بإعتباره - خطر- لا يمكن تركه.
يقول احد الجنود الاسرائيليين، كنا نشاهد الجنود المصريين وهم يهيمون في الصحارى يتساقطون من الاعياء وحرارة الشمس الحزيرانية المميته، ويتوسلوننا ان نبقي على حياتهم. كانوا يقتربون منا يستنجدوننا بأن نمد لهم برشفة من الماء بعد ايام من العطش القاتل ويقول - وكنا نناولهم بعض جرعات الماء فيستفرغون تلك الرشف من الماء ثم ينحنون على اقدامنا يقبلونها ، متوسلين للابقاء على حياتهم. قال أحد الجنود رايت الكثيرين من الاسرى وهم - يتبولون- على انفسهم من شدة الخوف والذعر.
تحدث أحد المتطوعين من الجيش الإسرائيلي وقال لمحنا جنودا كانوا مختبئين ولقد اقتربوا منا والقوا بأسلحتهم فما كان منا الا ان اطلقنا عليهم النار وقتلناهم جميعا دون رحمة او شفقة. وقال آخر لمحنا بعض الجنود العزل وأسرناهم ، وطلبنا بعد اسرهم ان يقوموا بدفن بعض الجثث الملقاه حولنا من الجيش المصري ، وعندما اكملوا المهمة اتي احد المظليين وقتلهم جميعا .
قال احد الجنود انني اقاتل بروح المظلوم الضعيف المؤمن، روح - النبي داوود- ولقد أنتصرت الروح - الداوودية - رغم ضعفها ، نعم لقد إنتصر داوود فصرع - بمقلعه - جالوت .
لمحت الجنود المصريين المبعثرين في الصحاري وهم بذلك البؤس والهوان والهزال والعناءآت. زج بهم إلى القتال دون إكتراث او روية او دعم او تغطية أو قدرة على الإخلاء والإنسحاب . سلاحهم الفردي كان وسيلتهم لتحرير فلسطين ، بينما سلاحهم العربي الثقيل من دبابات ومدرعات وبحرية وطيران اتت عليه بغتة - رياح الخماسين - وحصدته فجعلته كعصفٍ مأكول.
بهذه الروح المنهزمة وبهذا الأعداد والإستعداد الهزيل والمُهين، كنا نقاوم فسحقنا بكل هوان حتى العظم .
*- بقلم : فاروق المفلحي : شاعر وكاتب برانتفورد كندا
الصورة المرفقة لبعض الاسرى وهم يحفرون قبورهم قبل قتلهم.