المنطقة العربية.. تقاطع المصالح والمشاريع (1)

2020-06-07 14:57

 

هناك أربعة مشاريع تتقاطع وتتواجه وتهيمن على المشهد السياسي والاستراتيجي في المنطقة العربية (التي يسميها الأمريكيون ومنظماتهم بالشرق الاوسط وشمال إفريقيا) المشروع الإسرائيلي (الصهيوني)  المشروع العربي المشروع الإيراني (الفارسي). 

المشروع التركي (العثماني). 

أضعفها للأسف الشديد هو المشروع العربي. وهذا ما سأتوقف عنده في هذا المنشور: لم تعد هناك حروب ساخنة، وقد تغير طابع الحرب الباردة ليغدو مختلفا عن تلك التي صبغت العالم على مدى نصف قرن (1945 -1990م) واختفت الحروب من كل بقاع العالم إلا من المنطقة العربية التي تحولت إلى سوق لمنتجات الصناعات العسكرية (الامريكية والأوروبية والصينية والروسية). 

 

وهذه الحروب معظمها مصطنعة، تتقاطع فيها أو بموازاتها مشاريع استراتيجية عالمية، وإقليمية يمكن أن يتشعب الحديث فيها ويطول. فللقوى الدولية العظمى مشاريعها، وللقوى الإقليمية مشاريعها الخاصة التي تتداخل وتتصادم مع المشاريع الاستراتيجية الكبرى.

سنرجئ الحديث عن المشاريع العالمية، التي يقف بعضها موازيا أو مساندا او متقاطعا مع بعض المشاريع الإقليمية إلى حين، وسنتوقف عند المشاريع الإقليمية المتبلورة حتى اللحظة:

  1. المشروع الصهيوني، وهذا المشروع، بدأ التبشير به بنهاية القرن التاسع عشر في المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في مدينة بازل السويسرية (29 أغسطس 1897م)، وتكلل بقيام دولة إسرائيل في العام 1948م في بعض الأراضي الفلسطينية، وقد تمدد من خلال الحروب واتفاقيات التطبيع والأعمال الاستيطانية ليصل إلى ما هو عليه اليوم. ومع كل صفقة من الصفقات لا تتوقف حركة التمدد والتوسع التي بني عليها هذا المشروع، وهدفه الأقصى هو مشروع دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، لكنه يسير بخطى مدروسة بطيئة وهادئة (وأحيانا صاخبة) ولم تفلح كل محاولات التطبيع في جعل إسرائيل دولة طبيعية، لأن مشروعها يقوم على أيديولوجية شعب الله المختار والتوسع حتى تحقيق وصية الآباء المؤسسين.

 

وبغض النظر عن أهلية هذا المشروع للاستمرار ومقاومة أسباب تآكله وانقراضه من عدمها فإنه يقوم على خمسة مرتكزات أساسية هي:

 أ‌. رؤية أيديولوجية تستند على فكرة شعب الله المختار ونظرية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. ب‌. مخطط سياسي وعلمي وتكنولوجي متكامل ينظر إلى ما بعد عشرات وربما مئات السنين.

 ت‌. الاستحواذ على أكبر قد من المرتكزات المالية العالمية والتحكم بحركة الأسواق والأسعار والمصارف وعمالقة الانتاج والتسويق في العالم. ث‌. السيطرة على أهم المؤسسات الإعلامية ومؤسسات صناعة الرأي العالمية الكبرى.

ج‌. استخدام عناصر التفوق هذه في التسلل إلى مراكز صناعة القرار في المؤسسات العالمية والمنظمات الدولية وفي مؤسسات الدول العظمى المهيمنة على التحكم في السياسة العالمية نطاق هذا المشروع (الصهيوني) هو المنطقة العربية وأهدافه تتمثل في التوسع في هذا النطاق، ولا مانع من الامتداد أفقيا ورأسيا سواء من خلال بناء علاقات ومصالح وشراكات مع أطراف وأقطاب دولية عديدة أو التهام المزيد من الأراضي والتمسك بها وتحويلها إلى جزء من مشروع إسرائيل الكبرى تبعا لمتغيرات عديدة يمكن استثمارها لخدمة هذا المشروع. وتستغل المؤسسات الصهيونية ذات البناء المُحكَم، تفكك العرب وضعفهم وانشغالهم بمحاربة بعضهم بعضاً لتحقيق مآربها، ولم تعد بحاجة إلى استخدام القوة العسكرية وخوض الحروب بعد ما وجدت من يقوم بهذا نيابةً عنها، إلا عند ما تكون راغبةً في إيصال رسالة سياسية أو ابتزاز طرف من أطراف المعادلات السياسية الإقليمية والدولية.

 

إن الحديث في هذا المشروع يمكن أن يتسع ويطول، لكن ما ينبغي معرفته هنا أن الأجيال الصهيونية المتعاقبة لم تكل ولم تمل من تلقين معاني ومضامين هذا المشروع  للأجيال الجديدة على مر أزمنة الحروب والسلام مع العرب لتحوله إلى عقيدة مقدسة لكل المؤمنين بالفكرة الصهيونية الأساسية.

 

وللحديث بقية