ليتني لم أكبر (الحلقة الثانية والأخيرة)

2023-07-01 17:32

 

 

عندما كبرنا وبلغنا مرحلة الشباب لم نتعلم رغم كل المآسي والنكبات.. لم نتعظ من كل ما مر علينا ولم نستوعب دروس الحياة وتجارب التاريخ ..كبرنا واختلفنا وزادت مساحة وحدة الخلافات فيما بيننا تشرذمنا وتفرقنا أيدي سبأ فمنا من اعترض بحروف وكلمات باهتة لم يقرأها عابر سبيل مر في سوق الكلمات يبيع ويشري .. ومنا من شارك في تدمير الجنوب وأصبح حاميها حراميها يسرق الأرض ويمارس القتل والإجرام والفساد !!

 

عندما كبرنا أصبح السارق منا يحمل نجوما على بدلته ونياشين على صدره وسلاحا في يده يأمر وينهى وأصبح الجبان قائدا والثعلب يسابق الأسود والفاسد يحكم بين الناس وبائع السوق خبيرا استراتيجيا والقاتل في حماية القانون والضحية يخاف القانون .. الطبيب أصبح تاجرا والتاجر أصبح سياسيا والغبي أستاذا يعلم الأذكياء والنابهين !!

الرأس أصبح ذيلا والمنافق عنوانا للشرف المفقود .. والإرهابي أصبح ثائرا والثائر يتدثر بلحاف التقوى والشرف ،أشعلنا الحروب وصدرنا أذانا وشرورنا إلى أخوتنا وجيراننا في الجزيرة والخليج  أشغلناهم بحروبنا البينية في اليمن  وارتهن البعض منا للغير وتبنى مواقفهم وباعوا لهم الوطن مقابل الكراسي التي يجلسون عليها وضاعت المبادئ وسقطت الشعارات الكاذبة التي كانوا ينادون بها بينما البعض الآخر منا قد كبر وفقد براءته وقيم الخير.. ونمت في نفوسهم هواجس الشياطين وأخلاق اللصوص والسماسرة الذين تحميهم المليشيات والبلطجية .. بينما نحن نتفرج عليهم وهم ينحرون عدن ويبيعون أراضيها وتاريخها ويمحون ذاكرتها ويدمرون معالمها وهؤلاء لا ينتمون إلى عدن يزورون الوثائق ويتملكون آلاف الأراضي والبيوت بينما آلاف الأسر العدنية بدون مأوى ولا زالوا يحلمون بقطعة ارض في مدينتهم المستباحة للغرباء والدخلاء والأوباش والنكرات !!

الحقيقة المؤلمة والمفجعة أن لدينا قوائم بالأسماء لمئات اللصوص والمتنفذين من الذين نهبوا كل شيء في عدن دون وجه حق حيث بلغ عدد المرافق والمؤسسات الحكومية المنهوبة أكثر من 400 مرفق ومؤسسة ناهيك عن حضرموت والمحافظات الأخرى.

مليشيات مسلحة تسيطر على عدد من المربعات الأمنية وتستولي على أراضي شاسعة ومنها ممتلكات للدولة وبعضها للمواطنين غاب أهلها بسبب الحرب !!ّ

المنصورة والشيخ عثمان ومنطقة صهاريج عدن تشهد بناء عشوائيا ومنافسات طاحنة على نهب الأراضي وتحويلها إلى أسواق تجارية !!

لازالت تحكمنا القبلية العمياء ونتخندق ونحتمي بالمناطقية البغيضة ولا زلنا جميعا نتجرع الفشل ونبيع الأوهام ونسوّق الأحلام لأنفسنا ونلقي آثامنا وأوزارنا على الغير ونحن أول من باع وخان واستباح الوطن ..وساعد على ضياعه .

وختاما لازلت آمل أن يعود أبناء الجنوب إلى رشدهم وان يتركوا مهنة النخاسة وبيع أنفسهم مع  تراب الوطن والكف عن المتاجرة وبيع أوصاله  بأثمان زهيدة .. احلم بان ينهض كل حر شريف ويقف سدا منيعا في وجه اللصوص والسماسرة ونقول لهم :

كفوا عن المتاجرة بأحلام البسطاء وكفوا أيديكم عن بيع الأوطان وأخشى أن نصحو بعد فوات الأوان وقد ضاع الوطن من أيدينا كما ضاع من قبل وحينها لا ينفع الندم وإذا كان لي الخيار أو أمنية أخيرة في حياتي أتمنى أن أعود طفلا صغيرا وأعود ألعب مع رفاقي الذين فقدتهم لنستعيد براءتنا وطفولتنا ونعود إلى فطرتنا بعد أن كبرنا وتحولنا إلى كائنات بشرية همجية باعت نقائها وطهارتها في سوق النخاسة والجريمة وتخلت عن إنسانيتها وأتمنى أن أعود الى الوادي و أصرخ بأعلى صوتي مع رفاقي بصوت واحد:

ليتنا لم نكبر !!!

د. علوي عمر بن فريد