في وطن أكلته الحرب وأثقل كاهله الحصار، يعيش المواطن اليمني حالة من التيه الاقتصادي والانفصام السياسي. فبينما تتفاقم الأزمات المعيشية وتغيب الرواتب ويشتد الغلاء، لا يجد اليمني إلا "دولة الأونلاين" لتواسيه بخطاباتها وشعاراتها الفضفاضة، تلك التي تصف نفسها بـ"الشرعية" وتدّعي أنها تمثل المحافظات المحررة، في حين لا وجود فعلي لها على الأرض.
في عدن وتعز ومأرب وسائر المناطق المصنفة بـ"محررة"، تتدهور الأحوال الاقتصادية بشكل مرعب. الموظف بلا راتب، والخدمات في حالة انهيار، وسعر صرف الريال اليمني في هبوط مستمر دون أي تدخل حقيقي. المواطن البسيط يدفع ثمن فشل سياسي واقتصادي مركّب، فلا كهرباء مستقرة، ولا ماء، ولا تعليم ولا صحة. ومع ذلك، يُطلب منه الصبر باسم الوطنية والشرعية.
يعاني المواطن اليمني في المناطق المحررة من أسوأ الظروف الاقتصادية التي مرت على البلاد. راتب الموظف إما متوقّف أو متهالك لا يكفي لأيام. الأسعار تتضاعف، والعملة تتهاوى، وسوق المشتقات النفطية بات في قبضة المتنفذين، حيث الاحتكار يزدهر على حساب الفقراء. الكهرباء تنطفئ لساعات طويلة في حر الصيف، والمياه شحيحة، والدواء إما مفقود أو بأسعار لا تطالها يد.
لا توجد سياسات اقتصادية واضحة، ولا خطط إنقاذ حقيقية. فقط وعود تتكرر، ومؤتمرات مانحين تُعقد، ثم تتبخر الأموال في غياهب الفساد أو تُجمّد في حسابات من لا يمثّلون الشعب. أصبحت المعيشة اليومية معركة يخوضها اليمني وحده، في ظل تجاهل تام من سلطات تدّعي أنها تمثله.
ففي الوقت الذي يحتاج فيه المواطن إلى قيادة تلم شتاته وتتصدى لانهياره المعيشي، نجد القيادة السياسية قد تخلّت فعليًا عن دورها. البعض في الرياض، وآخرون في عواصم بعيدة، يتنقلون بين الفنادق الفارهة، بينما البلد يغرق في فوضى الخدمات والجوع. قراراتهم تصدر عبر الإنترنت، وتحركاتهم تظهر فقط في الأخبار، وكأنهم يديرون دولة افتراضية لا ترتبط بالواقع.
لم تُسجَّل لهم زيارات إلى مناطقهم "المحررة"، ولم تُلمَس لهم مبادرات إنقاذ حقيقية. يعيشون في منأى عن الهم العام، يتحدثون باسم الشعب لكنهم لا يعيشون معاناته، ويخوضون معارك إعلامية دون أثر على الأرض.
لقد تحوّلت "دولة الأونلاين" إلى عنوان لخذلانٍ جماعي ورمزاً لفشل مشروع الدولة في اليمن. دولة لا تعيش إلا على شاشات الإعلام ومنصات التواصل، فلا دولة في الخدمات، ولا عدالة في التوزيع، ولا قيادة في الداخل. فقط شعب يكافح من أجل لقمة العيش، وقيادة غائبة تحكم عبر البيانات. وإذا استمر هذا الحال، فالسؤال لن يكون: "متى تعود الدولة؟" بل: "هل كانت موجودة أصلاً؟"
*- علي عبدالإله سلام