نحو مستقبل جنوبي واعد: الشراكة الحقيقية واستقطاب الكفاءات هما السبيل الوحيد.
يقف الجنوب اليوم على مفترق طرق حاسم، فإما أن يمضي قدماً نحو تحقيق تطلعات شعبه في بناء دولة قوية ومستقرة، أو أن يظل أسيراً لدوامة الصراعات الداخلية والمصالح الضيقة التي تعصف بآماله. إن المسار الذي نسلكه اليوم يثير قلقاً بالغاً، إذ تغيب عنه الأسس التي لا غنى عنها لأي مشروع وطني ناجح، وعلى رأسها الشراكة الفاعلة، والحوار الشامل، والاعتماد على الكفاءات الوطنية.
غياب الحوار الفاعل: دوامة لا تنتهي
إن غياب حوار جنوبي-جنوبي حقيقي وشامل يضم كافة المكونات السياسية والمجتمعية دون إقصاء، هو السبب الجذري الذي يبقينا في حلقة مفرغة من الخلافات. فالحوار ليس ترفاً سياسياً، بل هو ضرورة وطنية ملحة لتوحيد الصفوف ورسم رؤية مشتركة للمستقبل. وقد أثبتت التجارب السابقة في اليمن أن غياب الإرادة الوطنية الصادقة وهيمنة المصالح الحزبية الضيقة غالباً ما تؤدي إلى فشل الحوارات. وبدون منصة حوار جامعة، تظل القرارات حكراً على فئة محدودة، مما يولد شعوراً بالتهميش لدى شرائح واسعة، ويزرع بذور الشقاق والانقسام. إن المرحلة تتطلب فتح قنوات حوار جادة لترسيخ قيم السلام وتكريس ثقافة الحوار كقيمة إنسانية وحضارية.
تهميش المناضلين وإقصاء الأبطال: طعنة في قلب القضية
من المؤسف أن نرى تهميشاً ممنهجاً للمناضلين الحقيقيين والأبطال الذين قدموا تضحيات جساماً في سبيل القضية الجنوبية. إن إبعاد هذه الكفاءات التي أثبتت ولاءها وتفانيها على أرض الواقع لا يخدم سوى خصوم الجنوب. فالقضية لم تكن يوماً حكراً على أحد، بل هي نتاج تضحيات الآلاف من أبناء الجنوب. وعندما يتم إقصاء هؤلاء الرجال المخلصين واستبدالهم بشخصيات تفتقر إلى الخبرة والتاريخ النضالي، فإننا نفرغ القضية من محتواها ونفقد البوصلة التي توجه مسيرتنا.
المحسوبية وتوزيع المناصب: الفشل الذريع الذي يهدم بنيان الدولة
إن أخطر ما يواجه أي مشروع لبناء دولة هو تفشي ظاهرة المحسوبية والوساطة في توزيع المناصب والوظائف العامة. عندما يصبح الولاء الشخصي والقرابة وكذلك الانتماء المناطقي هما المعيار الأساسي للتوظيف بدلاً من الكفاءة والمؤهلات، فإننا نحكم على مؤسساتنا بالفشل الذريع. هذه الممارسات لا تقتصر على كونها فساداً إدارياً يقوض مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص، بل تؤدي إلى نتائج كارثية على أرض الواقع. فَوَضْع شخص غير مناسب في مكان غير مناسب يؤدي حتماً إلى ضعف الإنتاجية، وتكرار الأخطاء، وخلق بيئة عمل مسمومة تعيق أي تقدم.
إن الاعتماد على الكفاءات الوطنية المتخصصة كل في مجاله هو اللبنة الأولى لأي نجاح. فالدول والمؤسسات الناجحة تُبْنى بسواعد أبنائها المؤهلين والقادرين على الإدارة والتخطيط والتنفيذ. وما نشهده اليوم من استقطاب على أساس الولاءات الضيقة بدلاً من الكفاءة هو عكس ما يجب أن يكون تماماً، وهو ما يهدد بهجرة العقول والكفاءات التي تفقد الأمل في الحصول على فرصة لخدمة وطنها.
ختاماً،
إن الطريق نحو تحقيق أهدافنا لا يزال طويلاً وشاقاً، ولكنه ليس مستحيلاً. إن تصحيح المسار يبدأ بالاعتراف بالأخطاء القاتلة التي نرتكبها اليوم. يجب العودة فوراً إلى طاولة الحوار الشامل الذي لا يستثني أحداً، ورد الاعتبار للمناضلين الحقيقيين، وفتح الأبواب أمام الكفاءات الوطنية لتولي زمام الأمور. بدون شراكة حقيقية وعدالة في الفرص، لن تقوم لنا قائمة، وستبقى تضحيات شهدائنا وأحلام شعبنا مجرد أمنيات لم تر النور.