قراءة في ميزان السياسة: حادثة بن لزرق والكشف عن الأجندة الدولية

2025-09-29 19:31
قراءة في ميزان السياسة: حادثة بن لزرق والكشف عن الأجندة الدولية
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- شبوة برس - حافظ الشجيفي

جرى قبل يومين اقتياد فتحي بن لزرق من مقر صحيفته إلى قسم الشرطة في كابوتا بالمنصورة، عدن، في إجراء لم يتجاوز ساعة ونصف، وقيل إن سببه إداري يتعلق بتصاريح الصحيفة التي يرأسها ويمتلكها. فتوقيف صحفي أو رئيس تحرير لمدة ساعة أو ساعتين، سواء كان السبب إدارياً أو سياسياً، لا يرقى إلى مستوى القضية التي تستحق التهويل والإدانة والاستهجان أو اعتبارها عملية تستهدف الرأي وحرية التعبير. فمثل هذه الحوادث العارضة تقع حتى في الدول الديمقراطية المتقدمة التي تقدس تحترم الصحافة وتقدس حرية التعبير، بل ويمكن أن تحدث إجراءات أسوأ من ذلك بكثير، فما بالك في بلاد تعاني من الاضطرابات والاختلالات وتعدد السلطات والتشكيلات العسكرية، بل وتعيش في حالة ثورية متواصلة وتقاتل من أجل الاستقلال. فالأمر في مثل هذه الظروف هو طبيعي واعتيادي جداً بل هو أقل بكثير من الطبيعي، ويندرج ضمن هامش الفوضى القائمة في البلاد إن جاز التعبير، التي تتسم بها مناطق الصراع. بل إن المنطق السياسي الصارم، الذي لا يرى في الإعلام المحايد إلا أداة، يذهب إلى ما هو أبعد ويعتبر ان الغير الطبيعي هو ألا يتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحق هذا الصحفي أو صحيفته أو إغلاقها نهائياً ومنعه من مزاولة مهنة الصحافة والإعلام

فجوهر الإشكالية لا يستقر في تفاصيل حادثة التوقيف نفسها، بقدر ما يتعلق بالتفاعلات التي أعقبتها. فقد أعلن بن لزرق، في منشور على فيسبوك، عن تواصل السفارة البريطانية معه، اليوم معلنة تضامنها وإدانتها لما حدث له. وهنا تكمن نقطة التحول التي تكشف عن أبعاد تتجاوز حدود الواقع المحلي. فإذا كان الحدث بسيطاً إلى درجة أنه لا يستلزم تواصل السفارة الصومالية معه، فما الذي يدفع إحدى القوى الدولية الكبرى، ذات التاريخ السياسي الطويل في المنطقة، للتدخل السريع والواضح على نحو ماجرى.. فهذا التفاعل السريع من السفارة البريطانية يطرح علامة استفهام ضخمة، ويؤكد - وفقاً لقراءة سياسية معمقة - أن الصحفي المعني مرتبط بأجندة دولية يعمل لحسابها، وأن التواصل معه هو تكتيك سياسي لتقديمه للجمهور الجنوبي كشخصية ذات أهمية وتأثير ويحظى برعاية دولية. بهدف تمكين هذه الجهة من توجيه مشاريعها ومخططاتها داخل المشهد الجنوبي من خلال شخصية يُنظر إليها على أنها ذات سند دولي، فيتأثر بها الجمهور. فالتاريخ السياسي المعاصر مملوء بأمثلة على العملاء المحليين الذين يتم تضخيم دورهم من قِبل القوى الخارجية ليكونوا جسراً لتمرير المصالح البعيدة التي تتبناها من خلف الواجهة.

ا

إن ما يزيد الموقف غموضاً هو انتقائية الإدانة التي مارستها السفارة البريطانية. حيث سارعت إلى إدانة توقيف صحفي لمدة ساعة ونصف، لكنها ظلت صامتة بشكل مثير للريبة تجاه الانتهاكات التي يرزح تحتها الشعب الجنوبي منذ سنوات. وهذه الانتهاكات لم تقتصر على النواحي السياسية بل طالت صميم الحياة والمعيشة، ووصلت في بعض الأحيان إلى مستوى يمكن تصنيفه كجرائم حرب. فالسفارة البريطانية لم تدينِ ما يحدث للشعب الجنوبي من قطع للخدمات والكهرباء لساعات طويلة في ذروة الصيف الحارة لتشوي الناس، وعلى رأسهم المرضى والأطفال والنساء في البيوت، كما أنها لم تدينِ قطع المياه عن الأهالي في عدن لأيام عديدة لتحقيق أهداف سياسية. وتغاضت تماما عن حرمان الموظفين من رواتبهم المتدنية لمدة شهور تحت مبررات مختلفة بقصد كسر إرادة الشعب الجنوبي، كما لم تدينِ حالات القتل والاغتيال التي تحدث في المدينة، ولا عمليات العبث الهستيري بأموال الشعب أو الفساد المتعمد الذي تمارسه الحكومة. فقد غضت السفارة الطرف عن كل هذه الجرائم الكبرى التي تغتصب الحقوق الأساسية للشعب في حين كانت ولازالت تمتلك القدرة لحلها ومعالجتها بشكل كامل وادانت عملية توقيف صحفي لمدة ساعة ونصف. في تباين صارخ بين المواقف وردود الفعل، حيث تُدان حادثة عارضة فيما يُتم التغاضي تماما عن كوارث مستدامة وملحوظة وتعبث بشعب كامل، على نحو يكشف بوضوح عن أن الإدانة ليست نابعة من مبدأ أخلاقي أو حرص على الحريات العامة، بل هي وظيفة سياسية محددة الأهداف. وهذا يعني أن قوى دولية نافذة هي التي تقف خلف هذا الصحفي وتدعمه، ليس حباً في حرية الصحافة، ولكن لتمرير مشاريعها وأجنداتها الخاصة التي تخدم مصالحها في المنطقة ضد الشعب الجنوبي.