‘‘ علي الصمدي‘‘ الشهيد الذي سيتذكره شعب الجنوب على مر العصور

2016-03-20 14:40
‘‘ علي الصمدي‘‘ الشهيد الذي سيتذكره شعب الجنوب على مر العصور
شبوه برس - خاص - عدن

 

في صبيحة التاسع عشر من مارس 2015 كان الصبي ذو القامة الممشوقة والبشرة السمراء يتلقى في صدره قذيفة آر بي جي.. رقد على إثرها بسلام للأبد.. مخلفًا بعده إرثًا عظيمًا قوامه "البيان رقم واحد" وعشرات الأبطال الذين ساروا على دربه وعائلة عفيفة وفقيرة جدًا من أب وأم وإخوة كان يعيلهم بما مقداره 15 ألف ريالٍ يمنيٍ شهريًا ( أقل من 70 دولار) كانت هي مرتّب القائد الشاب في اللجان الشعبية الجنوبية التي كبرتْ لاحقًا لتتحول إلى المقاومة الجنوبية وهاهي الآن تصنع بذرةً لجيش جنوبي نظامي.

 

كان علي الصمدي ذو الـ 23 ربيعًا، خريج كلية التربية في لودر؛ قد علا نجمه في العاصمة الجنوبية عدن التي يعرفها جيدًا، فقد دأب هو ورفاقه على المشاركة في فعاليات الحراك الجنوبي، لكنه جاءها هذه المرة كواحدٍ من مئات الشباب الجنوبي الذين قرروا حمل السلاح والذود عن عاصمة الجنوب بعدما تأكدت نية الحوثيين وقوات صالح التمدّد نحو الحاضرة الجنوبية في محاولة اجتياحها وضمها لحظيرة الإمامة الجديدة التي التهمت قبل ذلك الوقت كل الشمال.

 

كان الرئيس الشرعي لليمن عبدربه قد نجح في الهروب من إقامته الجبرية في صنعاء نحو عدن، متكئًا بثقله الوحدوي على جنوبيته هذه المرة كمحاولة أخيرة للصد، مطمئنًا لبوادر اليقظة التي دفعت نحو تشكيل وحدات للجانٍ شعبيةٍ تحاكي في منهجيتها تلك التي تشكلت في أبين إبان الحرب على القاعدة في 2011-2012 .

 

لم تكن بعد ملامح هذه القوات قد اتضحت للشارع في عدن الذي ظل يتربّص ويترصّد دورها المرتقب؛ حتى أطل الفتى صاحب الكاريزما يتلو على الجماهير ما أسماه البيان رقم واحد "للمقاومة الجنوبية" في مطلع فبراير 2015، أي قبل بدء الحرب الفعلية على الجنوب بشهرٍ واحدٍ خاصةً وأن جماعة الحوثي كانت قد وصلت لمحافظة البيضاء الحدودية في ذلك الوقت.

 

أوضح علي الصمدي بلغة مختصرة وواضحة ما أسماها المخاطر التي تتربص الجنوب وأرضه وقضيته، مفندًا دورهم في رفع ركيزة "الدولة" الأخيرة وحفظ السكينة وتعبئة الفراغ الذي تركه انهيار الدولة المركزية، مكثفا  خطابه التعبوي الحضاري، وواعدًا الجماهير بتحقيق المطلب الجنوبي، طالبًا من القيادات الجنوبية في السلطة أن تضع الجنوب صوب عينها.وموجهًا خطابًا لإخوته في الشمال يحذرهم فيه من مغبة تكرار الخطأ الذي أودى بحياة الوحدة في 94 .

 

كان هذا الخطاب بمثابة الصنارة التي اصطاد بها الشاب حماسة الجنوبيين فانضم المئات من أبناء عدن نفسها إلى هذا القوام المتنامي بعدما تبددتْ المخاوف واتضح أن الهدف هو الدفاع عن الأرض الجنوبية وليس عن الرئيس الأبيني.

 

دخلتْ قوات صالح الحوثي عدن واشتعلت شرارة الحرب الأعنف والأقسى، تمرّدت المعسكرات التي كانت تدين بالولاء للمخلوع على شرعية الرئيس الجديد، وأتخذت موقفها في صف الرئيس السابق والميليشيا المتمردة، كان الصمدي بمساعدة الوحيشي قد وضعا خطة لتحرير المطار ومعسكر الصولبان وبدر في قلب العاصمة الجنوبية، وبالتأكيد وقبل أي شيء "الأمن المركزي" الذي اكتنز بالثارات الجنوبية، كان الصمدي قد وعد ابن الشهيد خالد الجنيدي، ناشط الحراك الجنوبي الذي اغتالته قوات الأمن المركزي بأنه سينتقم لأبيه !

 استطاعت قوات اللجان الجنوبية الشعبية بقيادة الصمدي كسب الجولة التي أنهتْ تمرد قوات الأمن المركزي بقيادة السقاف الذي فرّ من عدن إلى جهة غير معلومة؛ ولكنها لم تصمد طويلًا لتكسب كل المعركة، هرب هادي إلى الرياض طلبًا للعون، وهرب الجبناء بالسلاح من عدن طلبًا للأمن، وتُرك الفتية يواجهون مصير النار والحصار، سقطتْ أربع مديرياتٍ رئيسيةٍ في عدن بيد الحوثيين وقوات صالح واستشهد الصمدي في مثل هذا اليوم قبل عام.

 

لكن الإرادة التي حملتْ هذا الشاب ليترك قريته وحياته وعائلته دفاعًا عن قضيته وأرضه هي نفس الإرادة التي صمدتْ بها المقاومة الجنوبية في أربع مديريات محاصرة كانت تحيط بها القوات التابعة للحوثي وصالح من كل الجهات، خلال أربعة أشهر لم تصمد المقاومة الجنوبية لتحافظ على أماكنها فقط ولكنها انتظمت في وحداتٍ لجيشٍ لم يحدث أن تكوّن من اللاشيء خلال أشهر ليكسب المعركة المستحيلة؛ إلاّ في لينينغراد السوفييتيه وهي تجربة فريدة ستؤرّخ في تاريخ الحروب طويلًا.. كما سيؤرّخ اسم علي الصمدي في تاريخنا القادم ومعه مئات الشهداء بحروف من نور.

 

"أبصروا النور فلم تعد بعدهم الدنيا كما كانت"

رحل علي الصمدي كما دخل عدن أول يوم، وعلى نفس هيئته ..فقيرًا مقدامًا وجسورًا .. لم تطلب أسرته التي انقطع عنها راتبه حتى الآن أي شيء ثمنًا لتضحياته..

 

  • - بقلم د سناء مبارك