الصراع الخفي ومخاطر تدهور الأوضاع في المناطق الجنوبية المحررة *

2017-04-15 03:29

 

������ الصراع شكل متطرف غير منضبط لسنة او قانون التدافع ، فالتدافع سنة منضبطة من سنن حركة التاريخ في المجتمعات ، اذا ضعفت أصاب المجتمع الجمود والتخشب واذا تجاوزت الانضباط أصابه الاضطراب والتفكك

الجنوب امتداد لمجتمعات عربية ظل تعتورها الاستبداد والفساد والافتقاد للتنمية العميقة ، فاضطرب فيها التدافع فصار صراعا لاينكره إلا جاهل غوغائي لا يفهم أويضلله عالم به لهدف مقصود

������ الجنوب تاريخيا مخرجات فكر وممارسة سياسية انقسامية طابعها قبلي ، لم تتخلق شبة الدولة في تجربة الجنوب في ما قبل الاستقلال إلا في امارتي لحج والقعيطي، اما بقية تلك الكيانات فكانت كيانات سياسية مغلقة على قبائلها .

������ الاحتلال البريطاني ، كصاحب ولاية حينها ، ساعد على تأسيس المؤسسية التي لملمت الجنوب

و " مأسست انقساميته "رغم كل ما شابها من قصور ، فقد عمل على تأسيس مؤسسات القوة الخشنة للدولة، الجيش والامن، وأيضا بقية القوى الناعمة الإدارية والمالية الخدمية وساعد في نقل وقوننة مؤسسات العمل المدني النقابية والحزبية لتشكل بدائل للتعبير تنافس القبلية وتحل محلها بمقاييس تلك الفترة مقارنة بما كان سائدا في جزيرة العرب .

������ جاء الاستقلال عن بريطانيا ولواصق الدولة مكتملة ، ومؤسسات التوحيد سواء الخشنة أو الناعمة موجودة وفاعلة وكانت هي الموحد الفعلي للبلاد وليس ( س أو ج) من الجبهات التي كانت بؤر صراع تقاتلت للاستفراد بالسلطة ليلة الاستقلال دون إحساس بمسؤولية بلد ، ودمرت سياسيا ومجتمعيا بصراعاتها وإثرتها أكثر مما عمرت، ولم يكن أي منها هو لاصق الدولة ، فاللاصق الحقيقي هي تلك المؤسسات الأمنية والعسكرية التي أيضا لم تتأصل فيها ثقافة وحيادية المؤسسة بسبب البنية المناطقية والقبلية ، إزاء الصراع السياسي بين الجبهات فانحازت لدوافع مناطقية ليست خافية على الراصد المحلي أو غير المحلي حينها ورجحت طرف على طرف ولو كان القول بان التنظيم الأقوى أو الجبهة الأقوى ، ففي الجنوب الآن تنظيمات لم يلتفت لها أحد لخلو الجنوب من تلك اللواصق التي كانت متوفرة في الاستقلال عن بريطانيا ..

فلماذا لم تفرض أي منها هيمنتها وتستلم الجنوب ؟

������ من بؤر الصراع افتقار الجنوب لطبقة رأس المال وكذا ضعف وهشاشة الطبقة الوسطى وهما أساس فكرة المدينة وسيادة ثقافتها ، ما حصل منذ الاستقلال هو ترييف المدينة ، في مرحلة الاستقلال الوطني ، كان الترييف منظم نوعا ما بضوابط المؤسسة الموروثة ، ثم جاءت مرحلة الوحدة / الاحتلال فأصبح غير منضبط بلوائح وقوانين بل يسيره الفساد والمحسوبية واستغلال المال العام وامتيازات الدولة ووظيفتها لكسب الأنصار التي تدار بها صنعاء تاريخيا ...الخ

������ الحاصل أن الوحدة كشفت حقيقة القبائلية في الجنوب ، ولو أنها لم تكن خفية رغم الشعارات الوطنية ، فقط في الجنوب كانت محكومة بمنظومة قانونية وإدارية ومالية فيها صرامة، والأخرى محكومة بعصبوية وفردية وفساد ومحسوبية ..الخ

 ������ المخاطر القادمة تتمثل في عدة محاور

♦من بؤر الصراع انه في معظم بلدان العالم الثالث تتشكل تحالفات داخلية وخارجية ، للاستقلال أو لمحاربة طرف ما ، فإن مصير التحالفات بعد التحرير او بعد التخلص من ذلك الطرف تبدأ في الانشغال ببعضها والدخول في صراع مباشر أو خفي لماذا ؟

في هذه البلدان الفقيرة من التنمية تترسخ ثقافة لدى نخبها بأن الحصول على الثروة والجاه لا ياتي إلا عبر السيطرة على السلطة .. فتبدأ الشيطنة للتخلص من الاخر عبر التعبئة الشعبوية تحت عناوين فضفاضة ومتعددة وغير محددة بمهنية ..طبعا العناوين ستكون ، على ثنائية مناضل / عميل ، احزاب وطنية / احزاب لا وطنية ، نحن ضد تدخل الاقليم والعالم / هم عملاء للاقليم وللخارج ، أو العرقلة والتخريب للخدمات ، الفساد ...الخ كلها لاتنطلق من منطلق علمي مهني بل من حب مفرط في السلطة لأنها بوابة الثروة والجاه

♦ لأيخلو المشهد من صراعات جنينية ذات صبغة مناطقية ، والمناطقية هي الذاكرة التاريخية للجنوب مهما " مكيجناها " ، وكذا بروز صراع لم يعد خفيا بين الإخوان وقوى الحراك على خلفية قرارات التعيين في السلطات المحلية وانعكاس ذلك على الأمن والخدمات ومحاربة الارهاب ..الخ

♦ومن بؤر الصراع ان الأنظمة التي تعاقبت لم تخلق تنمية فعالة وعميقة تفرض توازناتها لتحل محل التوازنات التقليدية أو الحزبية التي تستقوي بالتوازنات التقليدية فما خلقته مدينة القبيلة ( سكون النون وفتح الياء) او ترييف المدينة ، فلاتوجد ثقافة مدنية حتى الآن لنجزم بإدارة المجتمع بتوازناتها وان وجدت فهي مدنية متخلفة مدنية قشور استبدلت الشقة أو الفله بالديمه ، لم تتحرر بعد من التوازنات التقليدية ، لذا فالمهم أن المتخلف يجب يدار بتوازناته لكي لا يتحول التدافع إلى صراع !!!

♦التجربة العربية تدير اشتراكيتها وليبراليتها واسلاميتها وبرلمانيتها وانتخاباتها بالقبائلية ولاسرية ، وستظل كذلك إلى أن تقوم تنمية عميقة تفرض توازناتها ، الجنوبيون ليسوا بدعا، فالحزب الذي لأ تبرز في إدارته العائلية تبرز فيه الجهوية والقبلية وتاثير العائلية في الصراعات وفي الامتيازات أقل من تأثير العائلية

♦ ومن بؤر الصراع ان ذاكرتنا التاريخية انقسامية تتجدد وسائلها وعناوينها فقط، ولأن كل القوى ، بتلك الصفة ، تنطلق من أن السلطة بوابة الثروة والجاه والنفوذ فإن من مصلحتهم جميعا ضبطها بقانون التدافع وليس للصراع ، الجماعات العائدة من صنعاء وكذا المقصيين من صنعاء أو غيرهم في الحراك، هي قوى موجودة لها أهداف ولها مصالح الملاحظ الآن انه صراع بين تيار استقلال وتيار شرعية ، وفي جانب منه صحيح ، لكنه ليس كذلك كله ، فالصراع تندرج تحته عناوين جانبية ذات نكهة صراع مما أشرنا إليه أعلاه يذكرنا بتلك الصراعات الجنوبية التي كانت العناوين الفرعية فيها أهم من العنوان الرئيسي ابتدأ من صراعات ما قبل الاستقلال

♦المراكز التي أسستها الأحزاب التواقة للسيطرة على الجنوب سواء تحت عناوين الاستقلال أو عناوين الوحدة والاخيرة أكثر إمكانيات ونشاطا وقدرة من خلال سيطرتها على الجمعيات والمواقع والصحف التي تعمل على التعبئة والاثارة ، كل في اختصاصه والعمل تحت عناوين من تهويل الانفلات الأمني والتخريب الاقتصادي والمجتمعي وتثوير الشعب في اتجاه العداء لما هو قائم من سلطة محلية مازالت هشة ذات نفس يبدو استقلالي لكنه يتخلق في رحم وحدوي ، وكأنها هي المسئولة فقط !! وفي اتجاه آخر فإن هذه السلطات عليها أن تكون أكثر ألماما باهمية وتاثير العناوين الفرعية ، المناطقي والقبلي ، المندمجة تحت العنوان الرئيسي ، الوطن والوطنية، واشاعة الشفافية والاهتمام بجانب العلاقات العامة ، فلها في الساحة اعداء يتربصون بها فثورة الإعلام ، سلاح معك وضدك ، أصبحت تنقل الصورة أو الحدث أو الخطاء او التجاوز عبر العين المعادية قبل الصديقة أو المحبة ، نقل ليس عبر القنوات المهنية المتعارف عليها بل بوسائل أكثر سرعة وأقل مهنية وأكثر فجاجة لكنها أكثر تأثيرا بسبب هويتها الشعبية .

♦عدم الفرز والتقييم للمتواجدين في موقع القرار مع الشرعية ومعرفة اخلاصهم ومراقبة تصرفاتهم ، فمثلا المنظمات الإرهابية والأحزاب العقائدية لاتقبل في عضويتها من له أخ أو زميل بارز أو حتى غير بارز في الاتجاه المعادي ..لكن من يملك القرار في الشرعية تجدهم خليط من المتناقضات والاتجاهات في الأهداف والمصالح وهو مايعيق النجاح ويؤسس للصراع

♦ اتصف العمل السياسي في الجنوب بمعاداة الاشخاص

فمثلا لو كانت لك ملاحظة أو موقف أو عدم رغبة للشخص ( س) او الحزب ( ص) ، ودائما ماتكون الخلفية الخلفية وليست الموضوعية مرتبطة بالعداء، فإنك تعاديه مهما كان كان طرحه موضوعيا لصالح القضية ، وتستجلب كل الحجج لتصغيره وتهميشه ، وفي قرارة نفسك أن هذا الرأي أو الرؤية هي الصحيحة لكنها جاءت عبر ( س أو ص) ولو جاءت عبر (ع ) لكان مدافعا عنها بشراسة ومبديا محاسنها وفوائدها ، هذا الاسلوب لم يعد مجديا بل حاضن صراع ، المشين أن البعض يؤطره اكاديميا، وهذه عادة شمولية تم ترسيخها في ثقافتنا السياسية في الجنوب ، حتى بين أطراف الشمولية المتصارعة ، لتشويه ألخصم السياسي أو الحزبي ليس للتنوع والثراء والتنافس بل للاقصاء والازاحة والطمس، فخلق ذلك وعيا شعبيا اقصائيا استثار وسيستثير المخزون المناطقي في الصراع اذا أعيد تكراره ، عدا أننا مازلنا أمام خصوم يستهدفوننا وطنيا ونحتاج لبعضنا ضدهم ، فالجنوب اليوم لم يعد يملك اللاصق الأمني والعسكري والمالي والإداري الذي كان يملكه ليلة الاستقلال عن بريطانيا ، الذي اتسم بأن المنتصر جلس على مكتب المندوب السامي وكانت كل المؤسسات التي خدمت المندوب في خدمته حتى السكرتيرة .

♦الاعلام مرآة الصراع ..الاعلام بكل تنوعاته ، لابد من التعايش مع نقده وارساء التعددية الاعلامية والصحفية والدفاع عن حق ألخصم السياسي في الوجود بموازاة حقنا ، وضع ذلك في الخانة المعادية المتامرة يخلق ويؤسس لشمولية اعلامية وحزبية وسياسية ستنفجر من داخلها اذا لم نسمح ونؤسس للتعددية من خارجها ، ولنا تجربة مؤلمة في ذلك ، فلا نؤسس لشيطنة الاعلام أو الإعلامي لانه كتب ما لا نحب ان نقراه ، ونرسي من الان ثقافة أن المسئول خادم شعب مهما كان وليس تابو مقدس لايجوز نقده فذلك لن يفيده لا بشخصه ولا بمؤسسته بل سيكون من العوامل التي تذكي الصراع

*- ( الموضوع عنوان ندوة لمنتدى مدار في 12/ أبريل هذه مشاركة ارسلتها ثم أعدت مراجعتها بإضافات رأيت ضرورتها )