قراءة في خطاب الأزمة الحضرمية

2025-08-16 19:17

 

الخبر الذي نشره الصحفي صبري بن مخاشن لا يُقدّم معلومة بقدر ما يُعلن حالة استنفار رمزية، تُراد لها أن تُعيد تعريف السلطة في حضرموت من موقع الزعامة القبلية، لا من موقع الدولة. فحين تُصاغ الأوامر القضائية كـ"عدوان سافر"، وحين تُوصف القوات النظامية بأنها "مرتزقة"، نكون أمام خطاب لا يُدافع عن حضرموت، بل يُحاول احتكار تمثيلها.

 

الخبر لا يُخبر، بل يُعبّئ. لا يُحلّل، بل يُجيّش. فهو لا يناقش أسباب إصدار أوامر القبض، ولا يُقدّم رواية قانونية أو سياسية، بل يُحوّل الحدث إلى لحظة "استهداف للكرامة"، كأن الدولة لا تملك الحق في مساءلة أحد، وكأن الزعيم القبلي فوق القانون.

 

لكن السؤال الأهم ليس: هل صدرت أوامر قبض؟ بل: هل يُسمح للدولة أن تُمارس سلطتها حين يكون المستدعى من "رموز القبيلة"؟ هل نُريد دولة تُحاسب الجميع؟ أم دولة تُستثني من يُجيد رفع شعار "الكرامة" حين يُطلب للمساءلة؟

 

الخبر يُقدّم عمرو بن حبريش، والعوبثاني، والعمودي، كـ"رموز حضرموت"، وكأن حضرموت لا تُختزل إلا فيهم. لكن من قال إن الزعامة القبلية هي التمثيل الوحيد؟ ومن قال إن مؤتمر حضرموت الجامع هو الصوت الوحيد؟ حضرموت ليست حلفًا، ولا مؤتمرًا، ولا قبيلة. حضرموت فكرة دولة، لا مشروع زعامة.

 

وإذا كانت السلطة تُمارس صلاحياتها، فذلك لا يعني أنها تُقمع، بل أنها تُعيد ضبط العلاقة بين المواطن والقرار. أما تحويل كل إجراء قانوني إلى "مؤامرة"، فذلك يُعيد إنتاج منطق المظلومية الذي يُستخدم لتبرير كل شيء، حتى التمرد على الدولة.

 

في مواجهة التجييش: ماذا نحتاج؟

 

نحتاج إلى خطاب يُعيد تعريف حضرموت من موقعها الوطني، لا من موقعها القبلي. نحتاج إلى سلطة تُحاسب الجميع، لا سلطة تُساوم على القانون. ونحتاج إلى إعلام يُحلّل، لا يُحرّض. فمن يُريد أن يُدافع عن حضرموت، عليه أولًا أن يُؤمن بأن حضرموت لا تُبنى بالشعارات، بل بالمؤسسات، ولا تُحمى بالولاء، بل بالقانون.

 

ختامًا

إنها لحظة فاصلة فعلًا، لكن ليس لأن الدولة تُصدر أوامر قبض، بل لأن البعض يُريد أن يُقنعنا أن الدولة لا تملك الحق في ذلك. الكرامة لا تُهدد حين تُستدعى للمساءلة، بل تُهدد حين يُمنع القانون من أن يُطبّق على الجميع.

 

من يهدد حضرموت لا يمثلها. ومن يُشيطن الدولة باسم القبيلة، لا يُدافع عن الكرامة، بل يُقايض بها.

بامزعب ابوياسر