في خضم الصراعات السياسية والمناكفات المتواصلة بين القوى المتحكمة في المشهد اليمني، يظل المواطن البسيط هو الضحية الكبرى، يدفع الثمن باهظًا من قوته وصحته وكرامته، وكأن معاناته أصبحت قدراً لا فكاك منه.
لقد توقّف تصدير النفط، وتراجعت الإيرادات، وتوقّفت الرواتب، وانعدمت الكهرباء، وانهارت الخدمات، دون أن يرفّ جفن لأي مسؤول. وكأن حياة الناس لا تعني شيئًا في ميزان الحسابات السياسية. فالكهرباء اليوم تنطفئ في العاصمة المؤقتة عدن لأكثر من ثماني عشرة ساعة يوميًا، فيما تتوقف المستشفيات والمخابز والمصالح العامة عن العمل، ويتجرع المواطن العذاب في صمت مطبق.
المواطن لم يرتكب جريمة، ولم يشارك في الفساد، ولم يتسبّب في الأزمات. كل ذنبه أنه وُلد في وطن تمزّق بين أطماع السياسيين ومصالح المتنفذين، فصار يعيش في ظلام دائم، يلهث وراء لتر ديزل أو قطرة ماء أو ساعة إنارة.
إن توقف الرواتب لأشهر طويلة جريمة إنسانية بكل المقاييس، لا يمكن تبريرها بأي حجة. فالراتب ليس منّة من أحد، بل حقّ مشروع للمواطن لقاء عمله وخدمته للوطن. وقطع الرواتب يعني قطع لقمة العيش عن آلاف الأسر التي لم يعد أمامها سوى الصبر والدموع.
أما الفساد، فقد تمدّد في كل مفاصل الدولة، حتى صار الحديث عن الإصلاح أشبه بالنكتة، والمحاسبة حلماً بعيد المنال. وبدل أن تكون الحكومة في صف المواطن، أصبحت عاجزة عن الدفاع حتى عن لقمة عيشه، فيما يزداد الوضع الاقتصادي انهياراً يوماً بعد يوم.
ومع كل ذلك، لا تزال القيادات السياسية تكرر الخطابات نفسها والوعود ذاتها دون فعل، وكأنها تعيش في عالم آخر. المواطن يريد فقط حياة كريمة: راتباً يكفيه، كهرباء لا تنقطع، وكرامة لا تُهان.
لقد حان الوقت لأن يصحو الضمير، وأن يُعاد الاعتبار للإنسان قبل الكرسي، وللوطن قبل المصالح. فالوطن لا يُبنى على الأوهام، بل على العدل والحق والصدق في القول والعمل.
ولذلك فإننا لا نناشد مسؤولاً ولا نطلب من بشرٍ رجاءً، بل نرفع أيدينا إلى الله جل جلاله أن يُصلح الشأن، ويهدي القادة والمسؤولين إلى سواء السبيل، ويُلهمهم الرشد والرحمة بالناس، فقد سئم المواطن من الوعود والمطالبات والمناشدات التي لا تُطعم جائعاً ولا تُضيء ظلاماً.
فالله وحده هو القادر على أن يبدّل الحال إلى خيرٍ حال، وهو نعم المولى ونعم النصير.
ويبقى السؤال الذي يصرخ في وجه الجميع:
ما ذنب المواطن؟!