اليمن: حرب مفتوحة مع ‘‘ القاعدة ‘‘ وتشكيك في حجم الانتصارات المعلنة

2014-06-02 23:33
اليمن: حرب مفتوحة مع ‘‘ القاعدة ‘‘ وتشكيك في حجم الانتصارات المعلنة
شبوة برس - متابعات صنعاء

 

بعد أكثر من شهر على بدء الحملة العسكرية الواسعة التي أطلقتها السلطات اليمنية ضد معاقل رئيسية لتنظيم «القاعدة» في محافظتي أبين وشبوة (جنوب) تثور التساؤلات في شأن النتائج التي حققتها الحملة ومدى نجاحها في الحد من قدرات التنظيم على شن هجمات مثل ضرباته الموجعة التي كانت استهدفت في الأشهر الأخيرة مواقع حصينة للجيش والأمن في أكثر من منطقة بما فيها العاصمة صنعاء، وما نتج عنها من سخط محلي وتصاعد للمخاوف من تعاظم تهديدات فرع «القاعدة» في اليمن للأمن المحلي والمصالح الغربية.

 

وكان المئات من مسلحي تنظيم «القاعدة» أعادوا انتشارهم منتصف عام 2012 في مناطق جبلية وصحراوية وعرة في جنوب البلاد ووسطها إثر اندحارهم على يد الجيش من مدن في أبين وشبوة كانوا سيطروا عليها وأعلنوا فيها قيام إمارات إسلامية مستغلين حينها تراخي قبضة الدولة نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية التي رافقت الانتفاضة العارمة ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح مطلع عام 2011.

ما قبل الحملة

وبفعل سوء الحال الاقتصادية للبلاد وشدة الاستقطابات السياسية والتجاذبات بين القوى لم يكن الجيش والسلطات الانتقالية في وضع يسمح لها بخوض عمليات برية واسعة على الأرض ضد مسلحي التنظيم الذين يجيدون أساليب الكر والفر ويتقنون أساليب التخفي والاندماج وسط المجتمعات القبلية المحلية التي تمنحهم الغطاء اللازم إما خوفاً من بطشهم وإما لتدني نسبة الوعي وارتفاع مستويات الفقر وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة التي تعاني من الضعف والهشاشة.

غير أن الهجوم على مقر السجن المركزي في صنعاء في 13 شباط (فبراير) والذي أسفر عن تهريب 29 سجيناً غالبيتهم من عناصر التنظيم الخطرين، وما أعقبه من احتفال علني أقامه قادة «القاعدة» لمناسبة استقبال الفارين وسط حضور مئات المسلحين، تسبب في صدم السلطات وجعلها أمام تحدٍّ حقيقي.

كما أثار من ناحية أخرى حفيظة أجهزة الاستخبارات الأميركية والدوائر الإقليمية الشريكة لليمن في مجال «الحرب على الإرهاب»، وهو ما ضاعف من الضغط على صنعاء للقيام بهذه الحملة العسكرية في سياق الانتقال من أساليب الدفاع والتصدي إلى استراتيجية المواجهة.

وكشفت مصادر أمنية لـ «الحياة» عن حصول السلطات على معلومات أميركية عن المكان الذي احتفل فيه التنظيم بفرار أعضائه، وهو ما ساعد في توجيه ضربات جوية مكثفة شنها سلاح الجو اليمني وشاركت فيها طائرات أميركية من دون طيار على مواقع التنظيم الرئيسية وتجمعات عناصره في منطقة المحفد الجبلية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 65 عنصراً كانوا في معسكر للتدريب بينهم أمير التنظيم في المحفد علي بن لكرع الكازمي الذي توفي متأثراً بجراحه بعد حوالى أسبوعين.

وفي حين ترددت أنباء عن سقوط قادة كبار في التنظيم بفعل تلك الغارات كانت وحدات من قوات مكافحة الإرهاب اليمنية نفذت إنزالاً مظلياً في منطقة الصعيد في شبوة قتلت خلاله أربعة عناصر كان يعتقد أن بينهم خبير المتفجرات السعودي إبراهيم عسيري أو زعيم التنظيم ناصر الوحيشي، إلا أنه تبين لاحقاً بعد خضوع الجثث لفحص الحمض النووي أنها تعود لأشخاص آخرين أحدهم تعتقد أجهزة الأمن أنه مسؤول التنظيم في محافظة مأرب المجاورة وينتمي إلى آل العقيلي.

تكتم على الخسائر

وفي 29 نيسان (أبريل) الماضي بدأ الجيش عملياته البرية على ثلاث جبهات لتطويق المناطق التي ينشط فيها مسلحو «القاعدة» في محافظتي أبين وشبوة بمشاركة خمسة ألوية على الأقل من قوات المنطقتين العسكريتين الثالثة والرابعة يقودها عسكريون كبار، وبدعم من الطيران الحربي ومسلحي ميليشيا «اللجان الشعبية» وتحت إشراف مباشر من وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد.

وتزامناً مع بدء الحملة كان الرئيس عبد ربه منصور هادي كشف عما وصفه بـ «المؤامرة الدولية» لجعل بلاده مرتعاً للإرهاب وملاذاً لعناصره من كل الجنسيات، خصوصاً من العائدين من جبهات القتال في سورية، مؤكداً أن أكثر من 70 في المئة من مسلحي «القاعدة» في اليمن هم أجانب من دول عربية وآسيوية وغربية، وأنه يستحيل الدخول في حوار معهم، كما تدعو بعض الأطراف السياسية والقبلية وبعض علماء الدين المحليين.

وطبقاً لما أعلنته السلطات الرسمية نجحت هذه الحملة العسكرية الواسعة «في وقت قياسي في تطهير المناطق المستهدفة من الإرهابيين، خصوصاً مناطق المحفد والمعجلة ووادي ضيقة في أبين وعزان وميفعة والصعيد في شبوة».

ووفق الرواية الرسمية، فإن «المئات من المسلحين قتلوا وجرحوا في المواجهات من ضمنهم عشرات الأجانب، بينما لاذ الباقون بالفرار إلى الجبال أو تسللوا إلى محافظات أخرى مجاورة مثل البيضاء ومأرب وحضرموت» فضلاً عن «تدمير معسكرات تدريب وملاجئ للتنظيم وآليات، ومتفجرات عثر عليها الجيش».

وفي غضون ذلك كانت أجهزة الأمن أعلنت تفكيك خلايا للتنظيم في صنعاء عبر عمليات تفتيش ودهم نفذتها بالتزامن مع الحملة العسكرية في الجنوب، كما أكدت مقتل أمير التنظيم في صنعاء صالح التيس في واحدة من تلك العمليات إلى جانب عنصرين يعتقد أنهما المسؤولان عن تنفيذ الاغتيالات في العاصمة، فضلاً عن توقيفها مسلحين آخرين.

وتقدر مصادر حكومية غير رسمية «أن أكثر من 170 مسلحاً قتلوا إبان الحملة العسكرية في أبين وشبوة، إضافة إلى 80 عنصراً تم إلقاء القبض عليهم»، في حين أحصت «الحياة» مقتل أكثر من 25 مسلحاً أجنبياً كانت السلطات أعلنت أسماءهم، من ضمنهم «أبو إسلام الشيشاني، وخبير المتفجرات تيمور الداغستاني، وأبو مسلم الأوزبكي، وأبو مصعب الكويتي، وأبو عبدالرحمن المصري، وأبو أيوب الجزائري». إلى جانب 15 سعودياً أربعة منهم قتلوا أثناء اشتراكهم في الهجوم الأخير للتنظيم على مدينة سيئون.

وفي ظل تكتم الجيش على حجم الخسائر في صفوفه أثناء حملته قدرت مصادر عسكرية وطبية لـ «الحياة» أن 20 جندياً على الأقل قتلوا خلالها ومعهم أكثر من 70 جريحاً، فضلاً عن 12 جندياً سقطوا في تفجير التنظيم لمقر الشرطة العسكرية في المكلا في 11أيار (مايو)، و13 آخرين في الهجمات المتزامنة على مقار أجهزة الأمن والجيش في سيئون في الـ23 من الشهر نفسه، إلى جانب مقتل 10 جنود على الأقل في هجمات متفرقة في حضرموت والبيضاء وصنعاء.

وبصرف النظر عن النتائج الفعلية التي حققتها عمليات الجيش على الأرض إلا أنها لاقت تأييداً شعبياً واسعاً، كما سارعت غالبية القوى السياسية إلى مباركتها رسمياً، باستثناء القوى الموالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) التي بدت مواقفها المعلنة من دعم الجيش باهتة إلى حد كبير، إذ طغى على خطابها العام محاولة الربط بين مسلحي «القاعدة» وجماعة الحوثيين، وكذا هجوم ناشطيها على الرئيس هادي وانتقادهم للحماسة التي يبديها الرئيس هادي لمواجهة الطرف الأول في مقابل مهادنة الطرف الآخر على رغم أن كليهما يحارب الجيش، وفق قولهما.

ويغلب على رؤية هادي ومعه معظم الأطراف السياسيين «أن الحوثيين طرف قََبِل الانخراط في العملية السياسية وشارك في مؤتمر الحوار الوطني ويمكن التفاوض معه بدلاً من الزج بالجيش في معركة غير محسوبة العواقب قد تؤدي إلى انهيار العملية الانتقالية وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في الشمال».

وفيما ينظر الحوثيون إلى تنظيم «القاعدة» باعتباره امتداداً لجماعة «الإخوان» وأنصارها القبليين، وإلى حملة الجيش في أبين وشبوة بصفتها «عملاً بطولياً ضد الإرهاب» كان التنظيم أعلن تبنيه هجوماً انتحارياً أثناء الحملة العسكرية استهدف نقطة تابعة للحوثيين في محافظة الجوف (شمال) قال إنها أسفرت عن مقتل 20 حوثياً.

تنظيم «القاعدة» يتحدى ويهاجم

في غضون ذلك كثف تنظيم «القاعدة» أنشطته الإعلامية عبر بياناته وتسجيلاته المصورة المبثوثة على شبكة الإنترنت، رافضاً الاعتراف بمقتل أي من قياداته سواء في الضربات الجوية الأخيرة، أو أثناء الحملة العسكرية باستثناء نعيه رسمياً أميره في منطقة المحفد علي بن لكرع الكازمي.

ونفى التنظيم أنباء الانتصارات المعلنة من جانب السلطات، واعتبرها «كذباً إعلامياً ومغالطة واضحة» مؤكداً أن عناصره «منتشرون على طول البلاد وعرضها» وأنهم «شبوا عن الطوق» وأن المناطق التي أعلن الجيش دخولها «لم تكن تحت سيطرة المجاهدين وإن كانوا يتحركون فيها» وأن الحملة العسكرية التي قال إنها تأتي بـ «أمر أميركي وتمويل خليجي» هدفها الحقيقي هو «ضرب قبائل أهل السّنّة وإضعافها في مقابل إتاحة الفرصة لجماعة الحوثي لتتغلغل في هذه المناطق عسكرياً في غطاء الجيش العميل» على حد قوله.

وفي حين أكد التنظيم استمرار أنشطته «حتى يطبق شرع الله وتعود الخلافة الراشدة على منهاج النبوة» وفق قوله، لم تتوقف عملياته خلال الحملة العسكرية ضد معاقله، وأبرزها تفجيره لمقر الشرطة العسكرية في المكلا، وهجماته المتزامنة على مدينة سيئون، والتي نفذها مستخدماً حوالى 30 شاحنة مستهدفاً معظم مقار الأمن والجيش والمصارف ومكاتب البريد في وقت واحد.

ورأى مراقبون أمنيون في هذه الهجمات «رسالة قوية للسلطات تدل على عدم تأثره (القاعدة) بحملة الجيش في أبين وشبوة، وأنه لا زال قادراً على توجيه ضرباته الموجعة في أكثر من مكان»، كما أنها من جهة ثانية «تثير الشكوك - على حد قولهم - في فاعلية الحملة العسكرية الأخيرة، بل وتنال من صدقية الأداء الأمني والاستخباري برمته».

وكان ناشطون بثوا صوراً للقيادي في التنظيم وأميره في أبين جلال بلعيدي المرقشي الذي قاد هجمات سيئون وهو بالقرب من القصر الرئاسي، وأخرى وهو في جوار أحد مبانيها وسط المدينة، فضلاً عن صور التقطت لعبارة دونها المهاجمون على جدار أحد المصارف بعد نهبه تقول «اليوم هنا وغداً في صنعاء يا عبد ربه...» في رسائل تحدٍّ صارخة.

تشكيك

إلى ذلك تجزم مصادر قريبة من التنظيم «أن خسائره في أبين وشبوة وسيئون لا تتعدى 15 قتيلاً»، في حين يتهم ناشطون مناهضون للحملة العسكرية السلطات بـ «اختلاق انتصارات وهمية وبإنهاك الجيش في معارك لا تخوضها عادة الجيوش النظامية» كما ينتقدون بشدة انعكاسات الحرب على الحالة الإنسانية في ظل تقديرات لمنظمات دولية بنزوح أكثر من 24 ألف نسمة نتيجة الاشتباكات في مناطقهم.

ويضيفون «أن تضليلاً إعلامياً واسعاً رافق عمليات الجيش» مستدلين بأسماء قتلى أجانب أعلن عنهم رسمياً باعتبارهم قادة في التنظيم، في حين أنه «لم يسمع بهم من قبل أو لم تشر إلى وجودهم أي مصادر تعنى بأنشطة فرع «القاعدة» في اليمن».

وفي هذا السياق يبدي الباحث فـــي شؤون تنظيم «القاعدة» عبدالرزاق الجـــمل سخريته من تلقف الإعلام ما تعلــنه المصادر الحكومية باعتباره «حقيـــقة مسلم بها»، ويقول «منذ قال الرئيس هادي إن 70 في المئة من أعضــاء «القاعدة» أجانب من فرنسا والبــرازيل وإيطاليا وأستراليا صرنا نسمع بأسماء لقتلى لم نكن نسمع بهم من قبل، بيكاسو وميكاسا وماريو». في إشارة إلى تشكيكه في صحة أسماء القتلى الذين تعلن عنهم السلطات.

كما شكك الزعيم القبلي الموالي لـ «الحراك الجنوبي» المطالب بانفصال جنوب اليمن عن الشمال صالح بن فريد العولقي - بعد مرور أكثر من أسبوعين على بدء عمليات الجيش - في صحة الأرقام الرسمية المعلنة عن قتلى «القاعدة»، معتبراً ما يحدث مجرد «حرب عبثية لصرف الأموال والذخائر والأسلحة» من دون تحقيق أي تقدم يذكر.

وفي السياق ذاته تتحدث مصادر محلية في شبوة عن «توقف مفاجئ لعمليات الجيش» وتقول إنه «أحجم عن دخول بلدة الحوطة وبعض المناطق الأخرى على رغم أنها تعد من معاقل التنظيم»، في حين تفيد مصادر عسكرية غير رسمية بأن الجيش «قرر تأجيل توسيع عملياته إلى محافظات حضرموت ومأرب والبيضاء، كما كان مخططاً له بسبب انشغال قادته بتداعيات المواجهات المحتدمة مع الحوثيين في الشمال، وهو ما يجعل من المعركة ضد «القاعدة»، وفق قوله، معركة غير مكتملة».

تفعيل الاستخبارات

وفي مقابل التشكيك في فاعلية الحملة العسكرية يعتقد مراقبون أمنيون تحدثوا إلى «الحياة» «أن الجيش استطاع - في أسوأ الأحوال - تعكير صفو تجمعات التنظيم والنيل من معسكراته التدريبية والحد من تحركات مسلحيه المتحدية، في انتظار أن يقوم الجيش بعمليات مماثلة ضد التجمعات المفترضة للمسلحين في البيضاء وحضرموت ومأرب استجابة لأمر الرئيس هادي الذي أعلن أن الحرب ضد «القاعدة» باتت مفتوحة ومستمرة».

كما يؤكد المراقبون «أن أساليب المواجهة الناجعة يجب أن تركز على العمل الاستخباري الجيد وتنفيذ الضربات النوعية في المقام الأول، إضافة إلى سد الثغرات الأمنية التي ينفذ منها التنظيم لشن هجماته، وكذا تجفيف مصادر حصوله على الأسلحة والمال، إلى جانب الحد من اختراقاته الأجهزة الحكومية ومن أنشطته في كسب ولاء زعماء القبائل وتجنيد أتباعهم في صفوفه».

* صحيفة الحياة